بعد الإنقسام النزاري المستعلي الذي حدث في الدولة الفاطمية بعد وفاة الإمام المستنصرالفاطمي عليه السلام انتقل ابنه الأكبر وصاحب الحق الشرعي في الإمامة مولانا نزار سلام الله عليه إلى قلاع الدعوة في فارس والتي كان قد أعدها لإستقباله القائد العظيم الحسن بن الصباح وأدار شؤون الإمامة من قلعة ألموت ومن ثم خلفه أبنه الإمام الحسن بن نزار عليه السلام الملقب بركن الدين ومن بعده استلم الإمامة ابنه الإمام راشد الدين سنان علينا منه السلام والذي اتخذ من مصياف عاصمة له
** الإمام إلكيا راشد الدين سنان علينا منه السلام **
وهو الإمام الحادي والعشرون من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله واسمه محمد بن الحسن بن نزار بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز لدين الله بن المنصور بالله بن القائم بن المهدي بن الحسين بن أحمد الوفي بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أمير المؤمنين عليبن أبي طالب سلام الله عليهم أجمعين ، ويلقب ب (( إِلِكيَا ))أي المعلم .
ولد مولانا سنان (ع) في قلعة ألموت بفارس في بداية القرن السادس للهجرة حوالي 508 للهجرة وترعرع في كنف والده الإمام الحسن ركن الدين بن نزار (ع) وتسلم مرتبة الإمامة بعد وفاة والده ولم يمض عليه عامين حتى طمح قائد جيشه الحسن بن كيا بزرك آميد إلى الزعامة الدينية فأعلن عن إمامته وسلطانه وخرج عن طاعة الإمام سنان (ع) فهاجر مولانا سنان إلى مصياف عاصمة القلاع الإسماعلية في بلاد الشام ومر في طريقه على الحلة الفيحاء في العراق والتي كانت تدين بالولاء لآل بيت رسول الله الأطهار والتقى بالأمير مزيد الحلي وسمع شعره وأعجب به ولم يعرفه بمرتبته بل أوحى إليه ليهاجر في طلب صاحب العصر والزمان .
وصل مولانا سنان (ع) إلى قلاع الدعوة في مصياف والتي كان يترأسها الشيخ الأجل محمد الرفني قدس سره ، وتخفى بزي طبيب عراقي ولم يكشف عن نفسه وأقام بقرية بصطريون بجوار قلعة الكهف يعلم الأطفال القرآن ويداوي المرضى ، وفي الحقيقة كان يدرس أوضاع قلاع الدعوة ونظمها الدفاعية وطرق تطويرها ، ويذكر أنه لم يكشف عن نفسه إلا للسيدة الجليلة رحمة زوجة الشيخ الرفني والتي كانت تعنى بشؤونه وتكتم سره حتى عرفت فيما بعد بكاتمة الأسرار .
مرض الشيخ محمد الرفني قدس سره وظل أياما فدخل عليه الإمام سنان (ع) في أحد الأيام وقال له : يا شيخ أبا أحمد لقد انقضت مدتك وحان أجلك ونهار غد عندالظهر تفارق هذا العالم فقف على تقليدي هذا قبل موتك ..
ولما قرأ الشيخ أبا أحمد تقليد الإمام أخذ يبكي فقال له اللإمام سنان (ع) لماذا تبكي ؟؟ فقال سبحان الله كيف لا أبكي أسفا على ما فاتني من امتثال الأمر المطاع من مدة سبع سنوات وأنا لا أعلم بأن مولانا قد قدم علينا .
وتوفي الشيخ الرفني وأقيمت له جنازة مهيبة وصلى عليه الإمام سنان (ع) ودفن في مصياف وأقام الإمام بجوار ضريحه مسجدا لا يزال قائما حتى اليوم ..
ولما تسلم الإمام راشد الدين سنان عليه السلام القيادة احتفل بهذه المناسبة في جميع القلاع والحصون لمدة ثلاثة أيام ، ثم أمر أتباعه بأن ينقلوا مركزالقيادة إلى مصياف حيث باشر بتطوير جيل جديد من المحاربين المدربين على الأعمال الفدائية والأمور العسكرية ، كما وجه اهتمامه الكبير لتطوير مدارس التعليم الديني وتخريج الدعاة القادرين على نشر الدعوة الإسماعيلية وتعاليمها السامية ، وعمل على بناء حياة الإسماعيلية على أسس منظمة من العمل المستمر في جميع الميادين ، وعمم المدارس وزودها بالدعاة الأكفاء والمدرسين والعلماء لينشئ جيلا مزودا بالعلم والمعرفة ، كما رمم القلاع والحصون لتكون سدا منيعا في وجه الأعداء ، وحث أتباعه على فلاحة الأرض وزراعتها ونشط التجارة ، وبلغت الإسماعيلية الذروة من الإزدهار والسؤدد والمجد في عهد ذلك الإمام العظيم .
فأصبحت مصياف في عهده من أهم المراكزالعربية في سورية والتي قاومت الوجود الصليبي وفرضت هيبتها في كل بلاد الشام.
كان مولانا سنان علينا منه السلام يقضي أيامه متنقلا بين القلاع والحصون ، وقد خصص يومين للإقامة في جبل المشهد حيث يرقد جده الإمام أحمد الوفي سلام الله عليه ، حيث ينقطع لقراءة كتب العقيدة التي ورثها عن آبائه الأئمة الأطهار وخصوصا رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء والتي شغف بها شغفا عظيما ، وفي نفس الوقت يرصد النجوم وحركات الفلك ولدراسة أحوال أتباعه وأحوال غيرهم من المسلمين في بلادالشام وما كان من أمر جموع الصليبيين .
وكان مولانا سنان علينا منه السلام يكثر التخفي لزيارة بعض المدن السورية لتفقد شؤون الإسماعيلين فيها ، داعيا الجميع إلى التمسك بأهداب الدين الحنيف وأصول المذهب الإسماعيلي الشريف والإعتصام بولاية آل بيت النبوة عليهم السلام .
وبسبب تلك الأعمال العظيمة والسيرة الشريف الطاهرة عشقه أتباعه وتعلقوا به وانقادوا لقيادته الروحية السامية ، كيف لا وهو الإمام المعصوم من ذرية النبي المصطفى الذي عُرف بسعة الأفق العلمي والدهاء السياسي والمقدرة النادرة على التنظيم والتدريب مما أثار إعجاب ودهشة الكتاب والمؤرخين فقال ابن جبيرالذي زار مصياف في أيامه : إن الإسماعيليين يبذلون الأنفس دون زعيمهم سنان (ع) وحصلوا من طاعته وامتثال أمره بحيث يأمر أحدهم بالتردي من شاهق جبل فيتردى ..
ولم يقف نشاط مولانا سنان علينا منه السلام عند هذا الحد بل درب الفدائية على استعمال مختلف أنواع الأسلحة وعلمهم لغات أهل البلاد المجاورة وعاداتهم وتقاليدهم ومذاهبهم وكيفية التنكر والإختفاء والقيام بالمهمات السريةالخطيرة ، وبالتدريج تمكن من بسط نفوذه على القلاع المجاورة وهي : المرقب والقدموس والخوابي والكهف وصهيون والعليقة والمينقة وأبو قبيس والمهالبة والرصافة لتكون حصونا آمنة لكل الإسماعيليين ..
يذكر التاريخ ان مولانا راشد الدين سنان علينا منه السلام لعب دورا رئيسيا في السياسة السورية المصرية في ذلك الزمن وكان حجر الثقل في العالم الإسلامي كله ، ووقف سدا منيعا في وجه الصليبيين الذين تسللوا إلى داخل بلاد الشام وملكوا شواطئ المتوسط ،وكانت قوة فدائيته تهدد جميع الملوك والحكام حتى في أوروبا ، وتمكن بواستطهم من إرغام الصليبيين والمسلمين على مهادنته وكسب وده ..
جرت بين مولانا سنان (ع) وبين نور الدين الزنكي مراسلات كثيرة وحاول الأخير اقتحام قلعة مصياف لكنه لم يستطع ذلك وارتد عن أسوارها خائبا .
وبعد وفاة نور الدين الزنكي جاء صلاح الدين بن أيوب وحاول تزعم الجبهة الإسلامية على أنقاض الدولة الفاطمية بعد أن أذاق الإسماعيلين في مصر العذاب وفتك بعائلة الخليفة الفاطمي العاضد وكانوا أحد عشر ولد وأربع بنات وأربع زوجات وأقارب آخرون يزيد عددهم عن 170 شخصا ، وأحرق المكتبة الإسماعيلية في دار الحكمة بعد أن بعثر محتوياتها وهي أضخم مكتبة عربية إسلامية في تلك العصور ، فتآلم مولانا سلام الله عليه من تلك الأعمال بالرغم من الخصومة الشديدة بين النزارية والمستعلية، فأوفد الفدائي المخلص حسن الأكرمي وأمره بتهديد صلاح في القاهرة ، فتمكن هذاالفدائي من دخول القصر الملكي والوصول إلى حجرة رقاد صلاح الدين فوجده غارقا في أحلامه يغط في سبات عميق ، فترك له خنجرا مسلولا مُنطعا بالدم بقرب وسادته مع البطاقة التالية : ((اعلم أيها السلطان المغتصب العاتي إنك وإن أقفلت الأبواب ووضعت الحراس لا تستطيع أن تنجو من القصاص ومن إنتقام الإسماعيلية ، أراك قد بالغت في القحة واستبديت وقتلت وظلمت وسلبت دون أن تحسب حسابا للإمام الإسماعيلي الذي يقف لك بالمرصاد لو أردنا قتلك الليلة لفعلنا ولكن عفونا عنك لعلك تقدر هذا ، وإننا ننذرك لتصلح من سيرك وتعيد الحق المغتصب إلى ذويه ، ولا تحاول أن تعرف من أنا فذلك صعب عليك وبعيد عنك بعد الأرض عن السماء ، إذ قد أكون أخاك أو خادمك أو حارسك أو زوجك وانت لا تدري ..... والسلام))
وأراد صلاح الدين أن ينهج سياسة أستاذه نور الدين في الإمارات الشامية فسار إلى حلب وأغار سنة 571للهجرة على بعض القرى الإسماعيلية في جهات حلب فخرب بزاعة واعزاز ، فوثب عليه فدائي وطعنه بسكين في رأسه فجرحه جرحا بليغا وتمكن جنود صلاح من القبض عليه وتقطيعه إربا ، فهجم عليه فدائي آخر وضربه بخنجره عدة ضربات ، فألقي القبض عليه وأعدم فورا ، وعاد صلاح إلى خيمته مذعورا خشية الإغتيال وصمم على الثأر من زعيم الإسماعيليين في مصياف .
ويحدثنا ابن خلكان فيقول :أن صلاح الدين أرسل إلى الإمام راشدالدين سنان علينا منه السلام يتوعده ويهدده ، فأجاب الإمام بالرسالةالتالية:
ياللرجال لأمرهال مفظعه ..... ما مر قط على سمعي توقعه
يا ذا الذي بقراع السيف هددنا ..... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قد قام قف إلى قاف يزعزعه ..... كضفدع تحت صخر رام يقلعه
قام الحمام إلى البازي يهدده ..... واستيقظت لأسود البر أضبعه
أضحى يسد فم الأفعى بإصبعه ..... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
لو أن عمرك حبلا أنت ماسكه ..... فسوف تعلم يوما كيف نقطعه
إنا منحناك ثوبا للحياة فإن ..... كنت الشكور وإلا سوف نخلعه
ما يستحي ثعلب في صغر همته ..... يرسل إلى أسد الغابات يفزعه
وقفنا على تفصيله وجمله وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله فيا للعجب من ذبابة تطن في أذن فيل وبعوضة تعض بالتماثيل ، ولقد قالها من قبلك قوم آخرون ،فدمرناها عليهم وما كان لهم من ناصرين ، أو للحق تدحضون وللباطل تنصرون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي وقلعك قلاعي من الجبال الرواسي ، فتلك أماني كاذبة وخيالات غير صائبة فإن الجواهر لا تزول بالأعراض كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض ، كم بين قوي وضعيف ودنيء وشريف ؟؟
... وإذا عدناإلى الظواهر والمحسوسات وعدلنا عن البواطن والمعقولات ، فلنا أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : ( ما أوذي نبي ما أوذيت ) ولقد علمتم ما جرى على عترته وأهل بيته وشيعته ، والحال ما حال والأمر ما زال ، ولله الحمد في الأولى والآخرة إذ نحن مظلومون لا ظالمون ومغصوبون لا غاصبون وإذا جاء الحق زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، ولقد علمتم ظاهر حالنا وكيفية رجالنا وما يتمنون من الفوت ويتقربون به إلى حياض الموت ، ((قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدابما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين )) ، وفي أمثال العامة السائرة ( أوَ للبط تهددون بالشط ) فهيء للبلايا جلبابا وتدرع للرزايا أثوابا ، فلأظهرن عليك منك ولأفنينهم فيك عنك فتكون كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع مارن أنفه بكفه ، وما ذلك على الله بعزيز .
فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن لأمرنا بالمرصاد ، ومن حالك على إقتصاد، واقرأ أول النحل وآخر صاد{{
يا ذا الذي بقراع السيف هددنا ..... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه
قد قام قف إلى قاف يزعزعه ..... كضفدع تحت صخر رام يقلعه
قام الحمام إلى البازي يهدده ..... واستيقظت لأسود البر أضبعه
أضحى يسد فم الأفعى بإصبعه ..... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
لو أن عمرك حبلا أنت ماسكه ..... فسوف تعلم يوما كيف نقطعه
إنا منحناك ثوبا للحياة فإن ..... كنت الشكور وإلا سوف نخلعه
ما يستحي ثعلب في صغر همته ..... يرسل إلى أسد الغابات يفزعه
وقفنا على تفصيله وجمله وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله فيا للعجب من ذبابة تطن في أذن فيل وبعوضة تعض بالتماثيل ، ولقد قالها من قبلك قوم آخرون ،فدمرناها عليهم وما كان لهم من ناصرين ، أو للحق تدحضون وللباطل تنصرون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي وقلعك قلاعي من الجبال الرواسي ، فتلك أماني كاذبة وخيالات غير صائبة فإن الجواهر لا تزول بالأعراض كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض ، كم بين قوي وضعيف ودنيء وشريف ؟؟
... وإذا عدناإلى الظواهر والمحسوسات وعدلنا عن البواطن والمعقولات ، فلنا أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : ( ما أوذي نبي ما أوذيت ) ولقد علمتم ما جرى على عترته وأهل بيته وشيعته ، والحال ما حال والأمر ما زال ، ولله الحمد في الأولى والآخرة إذ نحن مظلومون لا ظالمون ومغصوبون لا غاصبون وإذا جاء الحق زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ، ولقد علمتم ظاهر حالنا وكيفية رجالنا وما يتمنون من الفوت ويتقربون به إلى حياض الموت ، ((قل فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدابما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين )) ، وفي أمثال العامة السائرة ( أوَ للبط تهددون بالشط ) فهيء للبلايا جلبابا وتدرع للرزايا أثوابا ، فلأظهرن عليك منك ولأفنينهم فيك عنك فتكون كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع مارن أنفه بكفه ، وما ذلك على الله بعزيز .
فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن لأمرنا بالمرصاد ، ومن حالك على إقتصاد، واقرأ أول النحل وآخر صاد{{
ويقال أن صلاح استيقظ ذات صباح فوجد خنجرا على فراشه ومعه بطاقة من الإمام سنان (ع) تدل على أن مولانا هو الذي زاره ووضع له الخنجر ، ولو شاء لقتل صلاح الدين دون أن يشعر به أحد وكتب في البطاقة البيتين الآتيين :
أما وجلال الملك لا تملكونها ..... مراغمة منا وذا النصرقائم
نخبركم أنا قدرنا عليكم ..... نؤخركم حتى تتم العزائم
وعندها جمع صلاح الدين وزراءه وأعوانه وأطلعهم على بطاقة مولانا سنان (ع) وقال لهم : لو أراد قتلنا لكنا في عالم الأموات . فما ترون أن نفعل؟؟
فاقترح عليه خاله شهاب الدين الحارمي أمير حماة أن يكون وسيطا بينهما لعقد الصلح .
فعلم صلاح أنه لاقبل له بحرب الإمام سنان (ع) فطلب الصلح وعمل اتفاقا معه من أجل محاربة الصليبيين ، فأمده الإمام سنان (ع) بكتائب الفدائيين ليكونوا طليعة جيشه .
قام الفدئييون بقتل العديد من ملوك الصليبيين وقادتهم ومنهم المركيزكونراد المونفراتي امير طرابلس سنة 588 للهجرة ، وبسب هذا التعاون تم تحقيق النصرعلى الصليبيين .
يقول الباحث المصري محمد كامل حسين في كتابه الطائفة الإسماعيلية :( فكان إتفاق الإسماعيلية مع أهل السنة من أسباب إنتصارات العرب علىالصليبيين في حروب صلاح الدين الأيوبي ..)
وهناك العديد من الروايات والقصص يتناقلها أبناء مصياف عن مناقب وكرامات هذا الإمام العظيم .
وبالإضافة لذلك التراث النضالي لمولانا سنان(ع) فقد ترك لنا تراثاعلميا ضخما تضم المكتبات الدينية المصيافية الكثير منه ، فقد جمعت خطبه وأقواله تحت إسم اللفظ الشريف ، وقصده العديد من علماء ذلك العصر ليتتلمذوا على يديه وينهلوا من علومه ومنهم شهاب الدين السهروردي والأمير مزيد الحلي الذي ترك إمارة الحلة في العراق والتحق بدعوة إمامه راشد الدين سنان وفي ذلك يقول :
أتيناإلى مصياف سعيا كما سعى ..... إلى البيت قوم من قريش وجرهم
وعندما وصل الأمير مزيد إلى مصياف بعد رحلة شاقة وصفها شعرا في ديوانه ودخل على الإمام سنان)ع) ورأى أنوار الإمامة ساطعة لم يستطع أن يتكلم لشدة شوقه حتى أنه لم يستطع أن ينطق بالسلام .. فتهامس بعض الموجودين أنه لم يسلم على الإمام فابتسم الإمام حتى هدأت سكينة الأمير مزيد وقال له قل يا مزيد .. فانطلق لسان الأمير بالحال بأبيات سجلها التاريخ ومنها :
على مواليك منك السلام ..... وأنت المسيم ونحن السوام
وكيف نقول عليك السلام ..... ومنك إلى الخلق يهدى السلام
نزورك يا قبلة العارفين ..... محلا وإن حل قوم كرام
ونعلم أنك سر الإله ..... الذي للقلوب عليه إزدحام
فيا راشد الدين يا سيدي ..... وأنت الإمام وبدرالتمام
وللأمير مزيد الحلي ديوان شعري تحتفظ المكتبات المصيافية بنسخ كثيرة منه وقد سخر فيه كل موهبته الشعرية لمدح الإمام سنان علينا منه السلام ومقر إقامته مدينة مصياف ومنه :
قسما بمن لولاه ما قبلت ..... من أهلها صلواتناالخمس
لولاه لم يهجر أحبته ..... عند الفرات الشعروالبأس
ولما لجأت إلى ذرا جبل ..... فيه لكل ملمة ترس
مصياف بيت القدس مذ بزغت ..... فيها الإمامة واستوى القدس
وغدت بمولانا سنان قبلة ..... للعارفين وأبطل اللبس
فالسيد المولى تحيط به ..... عرب الشآم ويذعن الفرس
قسما سيرجع دهرنا كنفا ..... للمؤمنين ويورق الغرس
ومن ديوانه أيضا :
يا راشد الدين الذي أرشدتنا ..... لله في الزمن الجهول الكافر
وجلوت في مصياف هدي أئمة ..... سبقوك فيها بالبيان الساحر
ورجعت تقرؤنا رسائل أحمد ..... لذويه إخوان الصفاءالغابر
وللأمير مزيد أيضا :
وتمسك بصاحب الوقت واحذر ..... إن تمسكت بعده أن تخيسا
اسمه إلكيا وأما سنان ..... فهو اسم يهز منا النفوسا
هو ابن البتول حقا وصدقا ..... وابن من كان للورى ناموسا
رحل الإمام سنان (ع) بعد أن جعل من مصياف وما حولها من القلاع معلما حضاريا ما زلنا ننهل من معينه الطاهر إلى يومنا هذا ، وكانت وفاة هذا الإمام العظيم في نهاية القرن السادس الهجري حوالي 592 للهجرة ودفن بناءا على طلبه في أعلى قمة جبل المشهد بجوار الإمام أحمد الوفي عليه السلام... وخلفه في منصب الإمامة ابنه الإمام الحسن جلال الدين عليه السلام المدفون في القدموس
ولا يزال مقام الإمام راشد الدين سنان والإمام احمد الوفي وإخوان الصفاء وخلان الوفاء سلام الله عليهم أجمعين من أهم المزارات الدينية والعلمية يقصده المحبين والموالين والباحثين من كل أصقاع العالم.
ترك الإمام راشد الدين سنان علينا منه السلام مؤلفات عديدة وقصائد دينية وفلسفية وأقوال وحكم متفرقة في أغلب المخطوطات الإسماعيلية السورية تحت عنوان من اللفظ الشريف .. ومنها هذه الأبيات :
نهاية إعقال العقول عقال ..... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ..... وأكثر دنياهم عنا ووبال
وما حصلوا من علمهم طول عمرهم ..... سوى قولهم في الكتب قيل وقالوا
فكم رأينا من رجال ودولة ..... فحالوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علتها ضبابة ..... فزالت سريعا والجبال جبال
ومن قصيدة ثانية:
أيا مدعي بالعرف لست بصادق ..... إذاأنت لم تسلك جميع الطرائق
وتظهر لنا ما قد وعته قلوبنا ..... فتكشف عنها حجبها بالحقائق
حسبت يقينا أن عبرت إلى الحمى ..... وأنت ببحر التيه أسوأغارق
تروم عبور الدار والباع قاصر ..... وما جازها إلا الرجال الخوارق
رجال إذا شدوا على عزم خيلهم ..... ونادى المنادي أقبلوابالسوابق
وحياهم الساقي بكل تحية ..... وقال لهم أهلا بقوم صوادق
وصب لهم خمرا قديما معتقا ..... وقال اشريوا إن شئتم بالسقارق
وأن شئتم بالكأس صفو نفوسكم ..... وما ينلها إلا بقطع العلائق
فهذي صفات القوم إن كنت جاهلا ..... وإلا أتو ميدانها بالمطارق
وصلي على روح النبي وآله ..... جرى لهم الباري بطهرالحقائق
عليهم صلاة الله في كل ساعة ..... بأعداد نجم الليل من كل شارق
فصل من اللفظ الشريف :
أيها المؤمنون : قد خامر عقولكم الوسواس الخناس ، فملتم إلى عبادة الأصنام الأرجاس ، ولعبت بكم ذئاب الفلوات بالخلاء ، واشتغلت قلوبكم عن التحقيق فسدت عليكم طريق الإسترشاد ، فقد وجب عليكم القصاص ، فلا مناص ، وحل بكم الإنتقاص لعمى أبصاركم عن معرفة سائر الأشخاص .
أما والله لقد غلبت عليكم شقوتكم وأنتم بعد في غمرة سكرتكم وعظيم محنتكم ، ولولا إدراك النعم وشفاء مواد الحكم لنقص منكم العدد وطال عليكم الأمد ،وإنما شملتكم خواص معاني الألفاظ بجزيل الإستحفاظ ، فأحسنوا رحمكم الله ظنونكم وظاهر ملبوسكم ، فقد بلغت المضارب حدهاوتناهت مدتها ، فتنزهوا أيها المؤمنون عن مسالك العطب وجدوا في البحث والطلب فما المطلوب إلا أنتم ، ولا المراد إلا إياكم ولا الحاجة إلا إليكم ،فقد لاح علم المهاجرين والأنصار لذوي الأبصار .
وأما بعد :
فإن البغي مهلك أهله وقاطع نسله ومن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين إلا خسارا . أدام الديوم واطلع الحي القيوم على قلوبكم القاسية وخواطركم الناسية ،أنسيتم الأمس وأنتم في ظلمة الرمس ، وقد أوجبت لكم معرفة الخمس وبينت لكم الجان من الإنس ، وشرحت لكم الخنس الجواري الكنس ، جواهر الحكمة وتمام النعمة . فأبين لكم القبول عند بيان العلة والمعلول وسيف الحق مسلول وحده غير مغلول ، فتناجوا بالبروالتقوى ، واجتنبوا مواقع البلوى بصحة حجج الدعوى ، فإياكم والإرتباك في معنى صورالأفلاك ، تقبلوا بآثار ألوان الناس فقد بينا أساسه وأظهرنا وحشته من إيناسه، فالهلال قد أبدر في جو سمائه والقدوس قد ظهر في معناه وزادت نعماه بتقديس أسمائه ،وتواترت أخباره بطلوع سعود أقماره ، وانبسط شعاع سناء أنواره ، الحمد لله معدن الجود والبقاء ومحل الفضل والنعماء .
وأرواحهم في وحشة من جسومهم ..... وأكثر دنياهم عنا ووبال
وما حصلوا من علمهم طول عمرهم ..... سوى قولهم في الكتب قيل وقالوا
فكم رأينا من رجال ودولة ..... فحالوا جميعا مسرعين وزالوا
وكم من جبال قد علتها ضبابة ..... فزالت سريعا والجبال جبال
ومن قصيدة ثانية:
أيا مدعي بالعرف لست بصادق ..... إذاأنت لم تسلك جميع الطرائق
وتظهر لنا ما قد وعته قلوبنا ..... فتكشف عنها حجبها بالحقائق
حسبت يقينا أن عبرت إلى الحمى ..... وأنت ببحر التيه أسوأغارق
تروم عبور الدار والباع قاصر ..... وما جازها إلا الرجال الخوارق
رجال إذا شدوا على عزم خيلهم ..... ونادى المنادي أقبلوابالسوابق
وحياهم الساقي بكل تحية ..... وقال لهم أهلا بقوم صوادق
وصب لهم خمرا قديما معتقا ..... وقال اشريوا إن شئتم بالسقارق
وأن شئتم بالكأس صفو نفوسكم ..... وما ينلها إلا بقطع العلائق
فهذي صفات القوم إن كنت جاهلا ..... وإلا أتو ميدانها بالمطارق
وصلي على روح النبي وآله ..... جرى لهم الباري بطهرالحقائق
عليهم صلاة الله في كل ساعة ..... بأعداد نجم الليل من كل شارق
فصل من اللفظ الشريف :
أيها المؤمنون : قد خامر عقولكم الوسواس الخناس ، فملتم إلى عبادة الأصنام الأرجاس ، ولعبت بكم ذئاب الفلوات بالخلاء ، واشتغلت قلوبكم عن التحقيق فسدت عليكم طريق الإسترشاد ، فقد وجب عليكم القصاص ، فلا مناص ، وحل بكم الإنتقاص لعمى أبصاركم عن معرفة سائر الأشخاص .
أما والله لقد غلبت عليكم شقوتكم وأنتم بعد في غمرة سكرتكم وعظيم محنتكم ، ولولا إدراك النعم وشفاء مواد الحكم لنقص منكم العدد وطال عليكم الأمد ،وإنما شملتكم خواص معاني الألفاظ بجزيل الإستحفاظ ، فأحسنوا رحمكم الله ظنونكم وظاهر ملبوسكم ، فقد بلغت المضارب حدهاوتناهت مدتها ، فتنزهوا أيها المؤمنون عن مسالك العطب وجدوا في البحث والطلب فما المطلوب إلا أنتم ، ولا المراد إلا إياكم ولا الحاجة إلا إليكم ،فقد لاح علم المهاجرين والأنصار لذوي الأبصار .
وأما بعد :
فإن البغي مهلك أهله وقاطع نسله ومن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين إلا خسارا . أدام الديوم واطلع الحي القيوم على قلوبكم القاسية وخواطركم الناسية ،أنسيتم الأمس وأنتم في ظلمة الرمس ، وقد أوجبت لكم معرفة الخمس وبينت لكم الجان من الإنس ، وشرحت لكم الخنس الجواري الكنس ، جواهر الحكمة وتمام النعمة . فأبين لكم القبول عند بيان العلة والمعلول وسيف الحق مسلول وحده غير مغلول ، فتناجوا بالبروالتقوى ، واجتنبوا مواقع البلوى بصحة حجج الدعوى ، فإياكم والإرتباك في معنى صورالأفلاك ، تقبلوا بآثار ألوان الناس فقد بينا أساسه وأظهرنا وحشته من إيناسه، فالهلال قد أبدر في جو سمائه والقدوس قد ظهر في معناه وزادت نعماه بتقديس أسمائه ،وتواترت أخباره بطلوع سعود أقماره ، وانبسط شعاع سناء أنواره ، الحمد لله معدن الجود والبقاء ومحل الفضل والنعماء .
أيها المستمع بجواهر خواص معاني ألفاظنا ، فتفكر في درر مكنون غوامض أمثالنا ، واجتهد في جزيل شكر نعمائنا ، واثبت عند بلائنا باعادينا ، وتمسك بعظيم كواكب قطب سماءينا ، كمثل أولاد " الفسيج " إذاطار عنهم واستطار برهة لا يصل إليهم وأمهم تربيهم ، فإذا بلغوا أشدهم دعاهم بصوته لا بصورته من أقصى الأماكن وأبعد المسالك مع تغير المعالم ، وكثر العوالم ، فيجيبوا لصوته مع كون تلبس صورته ، ولا يرتابوا في معرفته ، فاستدلوا بأثر معنى الصوت اللاهوتي المحدث منكشفة الناسوتي ، فإذا كان الطائر كذلك ، فلم لا يكون الإنسان البصير العالم المنتصب الخطب الجليل فيه دقة المعنى مستصعب لا يناله إلا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان وأتى الله بقلب سليم ، واقتدى برجل عليم ، فمن صبر نجا ومن شك عطب ، والسلام على من اتبع الهدى وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير والحمد لله رب العالمين
))
**************************************************
المصادر
- كتاب المناقب لأبو فراس شهاب الدين المينقي
- تاريخ الدعوة الإسماعيلية لعارف تامر
- ديوان الأميرمزيد الحلي مخطوط مصيافي
-مقدمة ديوان الأمير مزيد الحلي تحقيق عارف تامر
- الطائفةالإسماعيلية لمحمد كامل حسين
-كتابات تراثية مصيافية عن الإمام سنان (ع(
عدل سابقا من قبل الرفني في الثلاثاء فبراير 01, 2011 12:25 am عدل 2 مرات
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader