زنزانة دافئة
اقتعدت الرصيف , وليس في ثنايا ثوبها البالي سوى خلايا ميتة ,كأنما جلبت من قبور ,ما أو من احتضار زمن ,جسمها يترنح ,العالم يترنح , فتهمّ بالسقوط ,في كل يوم تواجه مصيراًجديداً ,وتتعرف ملجأ جديداً , وتستسلم لذبح جديد .
الدروب المؤدية إلى غياهب الماضي باتت سالكة بصعوبة أو مستحيلة العبور , لملمت أطراف ذكرياتها , وقفلت راجعة تطوي أيامها ,وتغيب حضورها تباعاً , كل الذين كبروا تحت جناحها , طاروا عندما نبتت بواكير ريشهم , كل الذين أقسموا في حضرتها على الوفاء غدت أيمانهم أوراقاً صفراء تتلاعب بها الريح ..البيت, والأولاد , والكنف الدافىء ,وعريشة الياسمين .. أصبح بينها وبينهم أراض وفياف وقفار , لو حاولت اجتيازها لابتلعتها مفاجآت بعيدة عن الحنان .
" أين سأبيت الليلة؟؟.."
واجهها النحيب بعدم احطام المرأةيتنام إلى سمعها أيّ صوت ,ولم تبادر أية رحمة إلى انتشالها سوى رحمة الأرصفة ,بدا الفراغ الهلامي أمامها مقفراً , إلاّ من بعض الراكضين وبعض غريبي الأطوار , وبعض المظلاّت السوداء ,والحمراء والبنفسجية ,الليلة الشرهة تعوي في عظامها , يودع البرد سياطه فوق صفحة وجهها , ثمة مطر غزير ,وثمة عواصف متخمةٍ بالفجاجة تقتلع أوتاد خيمتها , وتصب في قلبها ذعراً لم تستطع مهادنته ... تنتفض تختنق, يتبعثر حطام المرأة في داخلها ... ترى , لماذا غرر الزمان بها ؟.. وكم مضى منه على تلاشي أنفاسها ؟.. هل ماتت ؟. أم هي في فلك النهاية تدور ؟, انتشلت رأسها من القاع , رفعت سحنتها الغارقة في الطين , أسلمت أذنيها لهمهمة مداهمة , تسلقت عيناها السيقان التي صارت إلى جانبها تحت المظلّة الحجرية ,صاعدت تلاحق أنفاسها , أصدرت اصواتاً وحركاتٍ وجلبة تستجدي شيئاً من العطف , يفضي بها إلى مأوى تبيت فيه , لكن المنتظرين لم يكترثوا لوجودها , ولم يمنحها أحد منهم نظرة رفق .. أو حتى نظرة واقفة على الحياد ....فقد كانوا مشغولين بحديث لم يسقطوا من حسبانه إشارات التعجب والاستفهام ,في البداية ,لم يكن الكلام يعنيها أو يهمها .. لكنه , شيئاً فشيئاً أصبح حاراً بعكس طبيعة تلك الليلة ,ومؤلماً إلى درجة الفجيعة ,يخرج من بين الشفاه مدهشاً وطريفاً أحياناً .. مبعثراً وثقيلاً على السمع أحياناً أخرى , كأن شيئاً أمسك بخناقه , وأعاق عبوره ,فضاع في متاهة الطريق ,التصقت بالواقفين .. قربت أذنيها من افواههم تريد اكتشاف هوية اقوالهم , كان التصرف بدافع الفضول أول الأمر ,لكنه ,بالتدريج ,راح يفصح عن مقصد فتح أمامها بوابة , أخذت تتسع وتضيق بمقدار .
" لقد قرأت اليوم خبراً مثيراً تلبستني غرابته حتىّ هذه اللحظة .."
قال أحد الموجودين مضيفاً إلى حديثه موسيقا خاصة يصدرها اصطكاك أسنانه , ثم تابع .. ـ
"وضعت دائرة السجون إعلاناً يشير إلى أن أحد المحكومين بالأعدام حين سأل عن الأمنية التي يرغب بتحقيقها قبل الموت أجاب .. بأنه يريد امرأة " أطلق رجل أخر أستنكاراً حاداً , أبتلعه على الفور استهجان أكثر حدةً :
" وماذا يبغي المهتمون بالأمر من الأعلان ؟ "
" يريدون تنفذ الرغبة للمتهم إن أمكن "
"هذا مستحيل فما من امرأة في الدنيا تدفع بنفسها إلى السجن لقضاء ليلة شرسة مع المجرم مهما كانت المغريات المقدمة "
كقطة برية أغرقها المطر حتى الثمالة أنتفضت راحت تمؤ بشكل جنوني تفجرت براكين سكوتها أنبثق من عينيها ما يشبه الصراخ (السجن ) غشت رؤيتها غفوة وذهول غيبت وعيها ثم أحضرته لابد أن المسافة إلى هناك شائكة ومتعبة لابد أن الدرب وعرة ومظلمة السجن " كيف المسير أليه؟ كيف الوصول ؟ ومن أين الأنطلاق ؟ لاوقت لأطالة التفكير ولماذا التفكير ؟ مادام يوجد في النهاية سقف وجدران وحماية من البرد والمطر ولولليلة واحدة فليس في جعبتها أي متسع للتفاوض شدت شالها حول رأسها لفته بأحكام تأبطت العنوان ومعالم الخطوات ثم أسلمت ساقيها للمجهول تقتفي أثار العتمة والقهر ورائحة أحتراق لشيء ما مابينما السيول تجرف سرها الدفين تودي به إلى مالا قرار عند بوابة الزنزانة وقفت .. أرتجفت أنزرعت في الأرض مثل شتلة واهية الجزور غلفها الحيز الأسود بقفره ووحشتة لكن الشيء الوحيد الذي أكتشفته هناك والذي رطب بعضاً من جفاف صحرائها أنها لم تجد ما هو غريب أو جديد على عالمها فقد أحس مع تقادم الدقائق بألفة الموطن وبترجيع رئة الزنزانة لصدى أنفاسها و بأن الرجل القابع في الزاوية هو منها وأليها فلم تبد عليه بوادر الأمنيات ولم تتكفن رؤاه إلا بالصديد ولم تغفل أجنحة الغربان عن مواساته يداه تحتضنان كوابيسها وصدرها يعلو ويهبط في رحلة متساوقة مع رحلة الزمن العابرة ببطء شديد .
الفضاء الضيق بحلكته ينضم إلى مجموعة من الفضاءات الأخرى والتي غرزت بين جنباتها أشخاصاً تلبسهم التهم صدقاً أم زوراً حقيقة أم تلفيقاً لاأحد يعرف المهم أنها تلبستهم وأنقضى الأمر وإلى أن تبين الحقائق وتنجلي البيانات يكون الدهر قد أصدر حكمه ويكون الوقت قد أدرك بغيته على عجل الهنيهات هناك ركيكة وقاتلة والجمود يصلب الوقت على جدار من رهان والشفاه تيبست وتشققت وأصبح النطق صعباً ".. منذ متى أنا هنا ..؟!!
يتساوى لدى الرجل الليل والنهار .. الأشراقة والداكنة تحاول الذاكرة الأستيقاظ فيظهر الماضي برداء قميء متعدد الثقوب ألبسوه أياه عنوة .
ـ" لماذا ؟؟.."
ـ سألهم ولم يجيبوا!
تكالبوا عليه مثل وحوش كاسرة ـ ألصقوا به تهمة قتل متعمدة.. تهمة كان بريئاً منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ,لتصبح بعد حين أرجلهم في الخلاء ,ورقبته ضمن حبل المشنقة.
_ من أنت ؟...
_أنا ..أنا ال..
خرج صوتها من أعماقها كأنه يخرج من أعماق بئر ,ثم ما لبث أن دوى مجلجلاً ,يخترق حواجز سجنه , ويقتلع الساكت في نفسه , فتستيقظ بقايا جذوره ,يقف في مكانه ,يملأ صدره بهواء الصدى .. إنه لايعرف كيف يتصرف,وكيف يتعامل مع تلاحق الدقائق المتكئة على هامش الترقب والانتظار.. هل يضحك ؟...
هل يبكي ؟... بالتأكيد هو لايحلم ,فالحلم جفت مفرداته ,وأسقط آخر كلماته في هوّة سحيقة ,حاول أن يباعد مابين شفتيه , أن يقول شيئاً ..
أحسّ فجأة أن شيئاً ما يشبه الضوء يتسّرب إلى عينيه, ارتجفت أصابعه وهو يقبض على المسافة الفاصلة بينه وبينها .
_ "امرأة ؟!! "
منذ متى لم يتلمسّ الندى .. ولم يكتشف عطر الورد في دوحة المنى .. ولم تتخطوة,ناه وجهاً سوى وجه سجّانه العالي , والذي نضب منه ماء الحياة منذ أمد بعيد .
اقترب خطوة , واقتربت مثلها .. هل ما يراه حقيقة أم شبيهتها ؟.. أم أنها الريح أرسلت إليه خيالاً يعزّيه في سويعاتها الأخيرة , وقفا متقابلين , ثم نزلا رويداّ ,رويداً إلى أسفل ضمن مساحة لاتتسّع إلاّ لألميهما معاً ,أبحر في غابات عينيها قرأ شيئاً من المكتوب شعور غريب مغّيب أخذ يتناوب بالظهور متداخلاً مع مشاعر مبعثرة لاتماثل أية مشاعر , شيء من التوحّد مع عالمها ترجمته قواسم الهموم المشتركة , والتي بدأت ترتفع لتشكّل ركاماً .
شرقت بالدمع ,وشرق أيضاً .. تسارعت خطا الزمان بينهما بشكل يدعو إلى الاندهاش, وصل نزيف كلّ منهما إلى الطرف الآخر عبر خط مستقيم غير ملتوٍ أضافت إلى أشجانه أشجانها , وحكى لها عن ظروفه,وعن أيّامه , وعن حظّه العاثر ,رقدت يداها في يديه ,ووضع رأسه على صدرها وغمرتهما حالة من الدفء والسكينة والأمان .
قالت له :
_تعال نتجاوز كوابيس هذه اللعبة.
_وماذا بالنسبة للغد ؟..
التمعت عيناها ببريق ليس له شكلٌ أو طبيعةٌ أو ديمومة .. شعّ البريق في أعماقه فيما يشبه الأمل .. بينما صوت انهمار المطر في الخارج يترافق مع صوت انهمار دموع السجّان الذي كان يجلس قرب باب الزنزانة .
***********************
الأديبة حنان طه درويش
اقتعدت الرصيف , وليس في ثنايا ثوبها البالي سوى خلايا ميتة ,كأنما جلبت من قبور ,ما أو من احتضار زمن ,جسمها يترنح ,العالم يترنح , فتهمّ بالسقوط ,في كل يوم تواجه مصيراًجديداً ,وتتعرف ملجأ جديداً , وتستسلم لذبح جديد .
الدروب المؤدية إلى غياهب الماضي باتت سالكة بصعوبة أو مستحيلة العبور , لملمت أطراف ذكرياتها , وقفلت راجعة تطوي أيامها ,وتغيب حضورها تباعاً , كل الذين كبروا تحت جناحها , طاروا عندما نبتت بواكير ريشهم , كل الذين أقسموا في حضرتها على الوفاء غدت أيمانهم أوراقاً صفراء تتلاعب بها الريح ..البيت, والأولاد , والكنف الدافىء ,وعريشة الياسمين .. أصبح بينها وبينهم أراض وفياف وقفار , لو حاولت اجتيازها لابتلعتها مفاجآت بعيدة عن الحنان .
" أين سأبيت الليلة؟؟.."
واجهها النحيب بعدم احطام المرأةيتنام إلى سمعها أيّ صوت ,ولم تبادر أية رحمة إلى انتشالها سوى رحمة الأرصفة ,بدا الفراغ الهلامي أمامها مقفراً , إلاّ من بعض الراكضين وبعض غريبي الأطوار , وبعض المظلاّت السوداء ,والحمراء والبنفسجية ,الليلة الشرهة تعوي في عظامها , يودع البرد سياطه فوق صفحة وجهها , ثمة مطر غزير ,وثمة عواصف متخمةٍ بالفجاجة تقتلع أوتاد خيمتها , وتصب في قلبها ذعراً لم تستطع مهادنته ... تنتفض تختنق, يتبعثر حطام المرأة في داخلها ... ترى , لماذا غرر الزمان بها ؟.. وكم مضى منه على تلاشي أنفاسها ؟.. هل ماتت ؟. أم هي في فلك النهاية تدور ؟, انتشلت رأسها من القاع , رفعت سحنتها الغارقة في الطين , أسلمت أذنيها لهمهمة مداهمة , تسلقت عيناها السيقان التي صارت إلى جانبها تحت المظلّة الحجرية ,صاعدت تلاحق أنفاسها , أصدرت اصواتاً وحركاتٍ وجلبة تستجدي شيئاً من العطف , يفضي بها إلى مأوى تبيت فيه , لكن المنتظرين لم يكترثوا لوجودها , ولم يمنحها أحد منهم نظرة رفق .. أو حتى نظرة واقفة على الحياد ....فقد كانوا مشغولين بحديث لم يسقطوا من حسبانه إشارات التعجب والاستفهام ,في البداية ,لم يكن الكلام يعنيها أو يهمها .. لكنه , شيئاً فشيئاً أصبح حاراً بعكس طبيعة تلك الليلة ,ومؤلماً إلى درجة الفجيعة ,يخرج من بين الشفاه مدهشاً وطريفاً أحياناً .. مبعثراً وثقيلاً على السمع أحياناً أخرى , كأن شيئاً أمسك بخناقه , وأعاق عبوره ,فضاع في متاهة الطريق ,التصقت بالواقفين .. قربت أذنيها من افواههم تريد اكتشاف هوية اقوالهم , كان التصرف بدافع الفضول أول الأمر ,لكنه ,بالتدريج ,راح يفصح عن مقصد فتح أمامها بوابة , أخذت تتسع وتضيق بمقدار .
" لقد قرأت اليوم خبراً مثيراً تلبستني غرابته حتىّ هذه اللحظة .."
قال أحد الموجودين مضيفاً إلى حديثه موسيقا خاصة يصدرها اصطكاك أسنانه , ثم تابع .. ـ
"وضعت دائرة السجون إعلاناً يشير إلى أن أحد المحكومين بالأعدام حين سأل عن الأمنية التي يرغب بتحقيقها قبل الموت أجاب .. بأنه يريد امرأة " أطلق رجل أخر أستنكاراً حاداً , أبتلعه على الفور استهجان أكثر حدةً :
" وماذا يبغي المهتمون بالأمر من الأعلان ؟ "
" يريدون تنفذ الرغبة للمتهم إن أمكن "
"هذا مستحيل فما من امرأة في الدنيا تدفع بنفسها إلى السجن لقضاء ليلة شرسة مع المجرم مهما كانت المغريات المقدمة "
كقطة برية أغرقها المطر حتى الثمالة أنتفضت راحت تمؤ بشكل جنوني تفجرت براكين سكوتها أنبثق من عينيها ما يشبه الصراخ (السجن ) غشت رؤيتها غفوة وذهول غيبت وعيها ثم أحضرته لابد أن المسافة إلى هناك شائكة ومتعبة لابد أن الدرب وعرة ومظلمة السجن " كيف المسير أليه؟ كيف الوصول ؟ ومن أين الأنطلاق ؟ لاوقت لأطالة التفكير ولماذا التفكير ؟ مادام يوجد في النهاية سقف وجدران وحماية من البرد والمطر ولولليلة واحدة فليس في جعبتها أي متسع للتفاوض شدت شالها حول رأسها لفته بأحكام تأبطت العنوان ومعالم الخطوات ثم أسلمت ساقيها للمجهول تقتفي أثار العتمة والقهر ورائحة أحتراق لشيء ما مابينما السيول تجرف سرها الدفين تودي به إلى مالا قرار عند بوابة الزنزانة وقفت .. أرتجفت أنزرعت في الأرض مثل شتلة واهية الجزور غلفها الحيز الأسود بقفره ووحشتة لكن الشيء الوحيد الذي أكتشفته هناك والذي رطب بعضاً من جفاف صحرائها أنها لم تجد ما هو غريب أو جديد على عالمها فقد أحس مع تقادم الدقائق بألفة الموطن وبترجيع رئة الزنزانة لصدى أنفاسها و بأن الرجل القابع في الزاوية هو منها وأليها فلم تبد عليه بوادر الأمنيات ولم تتكفن رؤاه إلا بالصديد ولم تغفل أجنحة الغربان عن مواساته يداه تحتضنان كوابيسها وصدرها يعلو ويهبط في رحلة متساوقة مع رحلة الزمن العابرة ببطء شديد .
الفضاء الضيق بحلكته ينضم إلى مجموعة من الفضاءات الأخرى والتي غرزت بين جنباتها أشخاصاً تلبسهم التهم صدقاً أم زوراً حقيقة أم تلفيقاً لاأحد يعرف المهم أنها تلبستهم وأنقضى الأمر وإلى أن تبين الحقائق وتنجلي البيانات يكون الدهر قد أصدر حكمه ويكون الوقت قد أدرك بغيته على عجل الهنيهات هناك ركيكة وقاتلة والجمود يصلب الوقت على جدار من رهان والشفاه تيبست وتشققت وأصبح النطق صعباً ".. منذ متى أنا هنا ..؟!!
يتساوى لدى الرجل الليل والنهار .. الأشراقة والداكنة تحاول الذاكرة الأستيقاظ فيظهر الماضي برداء قميء متعدد الثقوب ألبسوه أياه عنوة .
ـ" لماذا ؟؟.."
ـ سألهم ولم يجيبوا!
تكالبوا عليه مثل وحوش كاسرة ـ ألصقوا به تهمة قتل متعمدة.. تهمة كان بريئاً منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ,لتصبح بعد حين أرجلهم في الخلاء ,ورقبته ضمن حبل المشنقة.
_ من أنت ؟...
_أنا ..أنا ال..
خرج صوتها من أعماقها كأنه يخرج من أعماق بئر ,ثم ما لبث أن دوى مجلجلاً ,يخترق حواجز سجنه , ويقتلع الساكت في نفسه , فتستيقظ بقايا جذوره ,يقف في مكانه ,يملأ صدره بهواء الصدى .. إنه لايعرف كيف يتصرف,وكيف يتعامل مع تلاحق الدقائق المتكئة على هامش الترقب والانتظار.. هل يضحك ؟...
هل يبكي ؟... بالتأكيد هو لايحلم ,فالحلم جفت مفرداته ,وأسقط آخر كلماته في هوّة سحيقة ,حاول أن يباعد مابين شفتيه , أن يقول شيئاً ..
أحسّ فجأة أن شيئاً ما يشبه الضوء يتسّرب إلى عينيه, ارتجفت أصابعه وهو يقبض على المسافة الفاصلة بينه وبينها .
_ "امرأة ؟!! "
منذ متى لم يتلمسّ الندى .. ولم يكتشف عطر الورد في دوحة المنى .. ولم تتخطوة,ناه وجهاً سوى وجه سجّانه العالي , والذي نضب منه ماء الحياة منذ أمد بعيد .
اقترب خطوة , واقتربت مثلها .. هل ما يراه حقيقة أم شبيهتها ؟.. أم أنها الريح أرسلت إليه خيالاً يعزّيه في سويعاتها الأخيرة , وقفا متقابلين , ثم نزلا رويداّ ,رويداً إلى أسفل ضمن مساحة لاتتسّع إلاّ لألميهما معاً ,أبحر في غابات عينيها قرأ شيئاً من المكتوب شعور غريب مغّيب أخذ يتناوب بالظهور متداخلاً مع مشاعر مبعثرة لاتماثل أية مشاعر , شيء من التوحّد مع عالمها ترجمته قواسم الهموم المشتركة , والتي بدأت ترتفع لتشكّل ركاماً .
شرقت بالدمع ,وشرق أيضاً .. تسارعت خطا الزمان بينهما بشكل يدعو إلى الاندهاش, وصل نزيف كلّ منهما إلى الطرف الآخر عبر خط مستقيم غير ملتوٍ أضافت إلى أشجانه أشجانها , وحكى لها عن ظروفه,وعن أيّامه , وعن حظّه العاثر ,رقدت يداها في يديه ,ووضع رأسه على صدرها وغمرتهما حالة من الدفء والسكينة والأمان .
قالت له :
_تعال نتجاوز كوابيس هذه اللعبة.
_وماذا بالنسبة للغد ؟..
التمعت عيناها ببريق ليس له شكلٌ أو طبيعةٌ أو ديمومة .. شعّ البريق في أعماقه فيما يشبه الأمل .. بينما صوت انهمار المطر في الخارج يترافق مع صوت انهمار دموع السجّان الذي كان يجلس قرب باب الزنزانة .
***********************
الأديبة حنان طه درويش
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader