احتجاج
اجتمعت النّمور.وسط حلبة السيرك.راحت تؤدّي حركاتها بفنّية عالية المهارة .نقلات القوائم .ارتفاع الجذوع .الدوران حول الخطوط اللولبيّة .تجاوز الحواجز بخفة ورشاقة .السير على الحبال ...فقد كان النّمر منهم , وحين يوعز إليه من قبل مدربه الحاذق :_ أن باشر اللعب ....يقفز إلى العارضة بخفة تشخص الأبصار . وفي الفراغ الحاصل بينه و بين صالة المتفرّجين الملغومة بالرهبة , واحتباس الأنفاس ,كانت تتناثر في الجوّ احتمالات يمكن أن تحوّل الجسد اللّاهي إلى أشلاء بغمضة عين من جرّاء زلّة قدم ,أو خطأ صغير .تتقافز النّمور في السّاحة .تركض خلف بعضها .يتبعها المدرب بعصاً رفيعة طويلة ,ذات ملمس ناعم ,خصصت للإيماء والتوجيه والإشارة إلى هذا الاتّجاه أو ذاك .الكلّ يعرف دوره ,يتقنه ,وعلى مر الأيام تصبح الأدوار من ضمن السّيرورة اليوميّة ,يؤدّيها بطواعية .
ذلك النّمر المختلف .. أحبّ ذات يوم أن يعلن احتجاجاً من خلال رفضه مغادرة الحلبة عند انتهاء العرض .سارت النّمور خلف بعضها بخطى آليّة وفق برنامج وتوقيت محدّد . لم تتلكّأ .لم تتعثّر . لم يبد على واحد منها تعب أو إجهاد .. فقد كان النشاط اليوميّ بالنسبة لها محطة سعيدة تتواصل فيها مع بني البشر .تريح أعصابهم , وتبهجهم ,وتهب لهم شيئاً من فضاإت الانتشاء ,والانطلاق الجميل .ضحك المتفرّجون ,ازداد لغطهم , ثم استغرابهم الّلاحق .فلم يعد الموضوع مجرّد تريّث عادي ,أو تعبير عن المكوث المؤقّت , وإنّما تشبّث بالمكان ..ربّما استمرأ النمر اللعب ,والتشجيع , والتصفيق ,ونظرات الإعجاب . وربّما كان في الأمر سرّ:
_ هيّا .. هيّا .. آن أوان الانصراف .
لكنّ النّمر لم يتحرّك ,وكذلك الجمهور .فقد أمتعهم الموقف غير العاديّ الخارج عن نمطيّة الفرجة . لكز المدرّب الهيكل المتيبّس بشيء من العنف .زاد عنفه أكثر عندما قرأ في عينيه تصميماً أكيداً على عدم الحركة , بينما الناس مازالوا مستغرقين في صخبهم ,وقد استبدلت العصا بسوط شديد اللسع :
_ أيها الأحمق ..ماذا دهاك ؟ ..هيّا أخرج .
كادت عينا المدرّب تنفران دمعاً ,وكاد قلبه يقفز من مكانه ,استعان بطاقمه ,وبعض الرجال الأقوياء لإبعاد النّمر .. لكن عبثاً , فالضرب يزداد , وهياج النّمر يتنامى مع هياج الجميع .
_ ما الحلّ ؟؟
من بين النّاس خرجت امرأة جميلة ,اقتربت من المدرّب , تحدّثت إليه ,ثمّ تقدّمت من النّمر ,مسحت فوق ظهره بلطف . أحاطت عنقه بمنتهى الرفق . همست في أذنه شيئاً ما جعله يذعن ويسير نحو المخرج المخصص له دون عناد .
**************
قصّة : حنان درويش
اجتمعت النّمور.وسط حلبة السيرك.راحت تؤدّي حركاتها بفنّية عالية المهارة .نقلات القوائم .ارتفاع الجذوع .الدوران حول الخطوط اللولبيّة .تجاوز الحواجز بخفة ورشاقة .السير على الحبال ...فقد كان النّمر منهم , وحين يوعز إليه من قبل مدربه الحاذق :_ أن باشر اللعب ....يقفز إلى العارضة بخفة تشخص الأبصار . وفي الفراغ الحاصل بينه و بين صالة المتفرّجين الملغومة بالرهبة , واحتباس الأنفاس ,كانت تتناثر في الجوّ احتمالات يمكن أن تحوّل الجسد اللّاهي إلى أشلاء بغمضة عين من جرّاء زلّة قدم ,أو خطأ صغير .تتقافز النّمور في السّاحة .تركض خلف بعضها .يتبعها المدرب بعصاً رفيعة طويلة ,ذات ملمس ناعم ,خصصت للإيماء والتوجيه والإشارة إلى هذا الاتّجاه أو ذاك .الكلّ يعرف دوره ,يتقنه ,وعلى مر الأيام تصبح الأدوار من ضمن السّيرورة اليوميّة ,يؤدّيها بطواعية .
ذلك النّمر المختلف .. أحبّ ذات يوم أن يعلن احتجاجاً من خلال رفضه مغادرة الحلبة عند انتهاء العرض .سارت النّمور خلف بعضها بخطى آليّة وفق برنامج وتوقيت محدّد . لم تتلكّأ .لم تتعثّر . لم يبد على واحد منها تعب أو إجهاد .. فقد كان النشاط اليوميّ بالنسبة لها محطة سعيدة تتواصل فيها مع بني البشر .تريح أعصابهم , وتبهجهم ,وتهب لهم شيئاً من فضاإت الانتشاء ,والانطلاق الجميل .ضحك المتفرّجون ,ازداد لغطهم , ثم استغرابهم الّلاحق .فلم يعد الموضوع مجرّد تريّث عادي ,أو تعبير عن المكوث المؤقّت , وإنّما تشبّث بالمكان ..ربّما استمرأ النمر اللعب ,والتشجيع , والتصفيق ,ونظرات الإعجاب . وربّما كان في الأمر سرّ:
_ هيّا .. هيّا .. آن أوان الانصراف .
لكنّ النّمر لم يتحرّك ,وكذلك الجمهور .فقد أمتعهم الموقف غير العاديّ الخارج عن نمطيّة الفرجة . لكز المدرّب الهيكل المتيبّس بشيء من العنف .زاد عنفه أكثر عندما قرأ في عينيه تصميماً أكيداً على عدم الحركة , بينما الناس مازالوا مستغرقين في صخبهم ,وقد استبدلت العصا بسوط شديد اللسع :
_ أيها الأحمق ..ماذا دهاك ؟ ..هيّا أخرج .
كادت عينا المدرّب تنفران دمعاً ,وكاد قلبه يقفز من مكانه ,استعان بطاقمه ,وبعض الرجال الأقوياء لإبعاد النّمر .. لكن عبثاً , فالضرب يزداد , وهياج النّمر يتنامى مع هياج الجميع .
_ ما الحلّ ؟؟
من بين النّاس خرجت امرأة جميلة ,اقتربت من المدرّب , تحدّثت إليه ,ثمّ تقدّمت من النّمر ,مسحت فوق ظهره بلطف . أحاطت عنقه بمنتهى الرفق . همست في أذنه شيئاً ما جعله يذعن ويسير نحو المخرج المخصص له دون عناد .
**************
قصّة : حنان درويش
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader