ثمّ جلس الإيمان على كرسي الحكم ، ليقضيَ ويفتيَ ويحكمَ بالعدل .
لقد درس القانونَ والنُظُمَ ، كما تفقّه في الشرع ، وعرف جيداً ما يجوزُ وما لا يجوزُ ، ما يتوجب وما يُنهى عنه ، ما الفرضُ وما السنّة ، واستحقّ أن يتولى هذا المنصب العالي بكلّ ثقةٍ وجدارةٍ .
قبالته ، وقفَ اللصُّ “المفترضُ” مكبلاً بالأصفاد ، كسيرَ الفؤاد ، مطرقَ الرأسِ ، ليدافع عن نفسه ، بعد أن أعجزَه العوزُ عن الاستعانة بمحامٍ يتولّى هذه المهمّة .
أراد أن يوضّح للقاضي المفتي الذي ارتدى جبّة الإيمان ، ملابساتِ ما يدعونها بالجريمةِ ، وأنّه لم ينوِ السرقة ولا خطر له يوماً ذلك ببالٍ ، لكن الجوعَ كافرٌ ، و “لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته” قالها يوماً سيّد البلاغة ؟؟؟!!!
تمنّى لو يصغي له “كإنسان” بعيداً عن النصوصِ والأحكامِ ، ليشرح له أيّ واقعٍ مريرٍ يعيش وأسرته ، وأنه ما سرق إلا بعد أن ضاقتْ به السبلُ ، أمام أفواهٍ صغيرةٍ تطالبه بحقها عليه ما دام جاء بها إلى هذه الدنيا .
وأن يقول له أنه ما افتقر فقيرٌ إلا من غنى غنيّ ، وأن الجريمةَ بكلّ أشكالها ، تكثرُ حيث تسودُ الفروقُ الطبقيّة ، وحين تتسابقُ رؤوسُ الأموالِ المتطاولةِ في عدٍّ تصاعديٍّ ، لا يعرف حتى أصحابها نهايةً له ، لتتوارى العدالةُ أمام سطوةِ التملّك ، منتظرةً وعدَ الغيبِ بنصرةِ المستضعفين في الأرض .
تمنى أن يعلنها ثورةً بوجه الظلمِ ، ويصرخ : “لا لنصٍّ شرعيٍّ خالٍ من الإنسانيّة” فما الشرعُ إلا ليعيدنا إلى إنسانيّةٍ حقّة ، ضاعتْ تحتَ ركام الأوراقِ والنصوصِ ، إلى آدميةٍ منتصبةٍ ، اعوجّت من كثرة الآراء والاجتهادات والأفكار على مرّ السنين . وأن نصاً لا يأخذ بالأسباب والنتائج ، وينظرُ بعينِ الرحمةِ وهو يقيم الحدّ ، نص خاوٍ فارغ من الحياة ، فنحن من ينفخّ فيه الروح ، لصالح الإنسان ، وحاشا لله أن يكون ظلاّما للعبيد ، فيقطعُ يد السارق بحجّة أن النصَّ الشرعيّ ثابتٌ وصريح .
وأن الدين متمثلاً بالشريعة ، بعد أن وجد ليكون وسيلة وطريقاً مفتوحاً لبلوغ الكمال الإنساني المتجسد بالرسول محمد ، زحزحه التعنّت الفكري عن وظيفته فاستحال إلى غاية بحدّ بذاته ، دافعاً الإنسان ليكون عبداً له ، وحلّ هو محلّه ، فكانت الكارثة ، أو الطّامة الكبرى ………..
فكانت المحصلة ، التضحية بالإنسان على الدوام ، لصالح النص الشرعيّ المقدّس، غير القابل للتفسير والتأويل !!!!!!!!!
وراحت عيناه تسألان في رجاءٍ يبتهلُ الجواب : ” ألا يمكن أن تحتمل القاعدةُ الشرعيةُ القائلة بقطع يد السارق ، تأويلاً لصالح الإنسان لا ضدّه ، ككفّ يده عن السرقة مثلاً ، بتحسين ظروفِ معيشته ، أو تهذيب نفسه ، أو كفّها عن عمل السوء لتؤدي عملاً آخراً شريفاً .. أو .. أو ؟؟!!
طالما القرآن “حمّال أوجه” كما قال مولانا عليّ ، وأردف موصياً وناصحاً : “فخذوه على أحسن وجه” .
وماذا لو كان لكلّ زمان شرعُه ، ونحن غرقى في أوهامنا وتصوراتنا ، أن هذا التشريعَ كسائر المقدّسات ، سماويٌّ إلهيٌّ ، لا يحقّ لمخلوق أن يتدخّل به أو يغيره ؟؟!!”
أراد أن يشير إلى كلّ تلك القصور الشاهقة ويسأله : يا قاضي العدل ألا تقل لي “من أين لهم هذا” ، أم أن القانون يحكمني ويعفيهم .
يا قاضيَ العدل ، هل أنت على يقينٍ أنك لا تأكل إلا الحلال ، وأن لقمتي حرام ؟!
أراد وأراد ……….
لكنّ الصممَ آفةٌ بشريّةٌ مستشريةٌ ، وهيهات لصوتٍ ضعيفٍ كصوته ، أن يصلَ لأذنِ من به صممُ .
وازداد يقينه بعبثِ الاعتراض ، وهو ينظر إلى عصا القاضي – الربّ ، التي لم ير بها إلا التهديد والوعيد ، وأين منها عصا موسى ، يتوكأ عليها ويهشّ بها على غنمه وله فيها مآرب أخرى ؟؟!! فآثر أن يبتلع كلّ ما كان بودّه أن يقوله من كلماتٍ ، حتى ولو وقفت في حلقه لتخنقه ، فذلك أرحم من تهمةٍ جديدةٍ توجه إليه ، وهي الطعنُ بالتشريع المقدّس ونزاهة القضاء .
بكى السّارق بصمتٍ وهو يُساق إلى مصيره البائسِ ، والتفتَ حوله مستنجداً ، علّه يبصرُ واحداً من أصحابِ الوجدان ، لينصفَه فيما فعل به الإيمان ؟؟؟!!!
**************************
ثناء طه درويش
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader