خاطرة (زرتها ذات يوم )حنان درويش

زرتها ذات يو م خاطرة

كانت القرية ذالك المساء عروساً تزدان بالدرر . يتمشى السهر في كرومها وينتشي تحت سمائها أمتداد التين والزيتون ودهشة الينابيع .تنهدت المعابر ,وأورقت همساً جميلاً ,وكذالك قوافل الأشتياق .القلوب كالأشجار ,تورق مواعيد مضمرة .والأحاديث مهد مخمليّ مكتحل بالتحيات العابرة :

ـــ مساء الخير

ــــالله يعطيكم العافية

ــــكيف الحال ؟

تتكلم الألسن ,كما تتكلم العيون والأيدي ,من خلال محطات قصيرة يصنعها المتنزهون الذين يمشطون الدرب جيئة وذهاباً .ونقطة وصولهم أيكتان متعانقتان منذ أمد بعيد , حتى صار عناقهما رمزاً وأنعتاقاً خالصاً . ثم يكون الأياب مثلما بدأ الذهاب , تهامساً وأحاديث تفوح من أثوابها رائحة الموده والبساطه والتآلف والأنسجام ,فتطفح المشاوير بضوع له خصوصية النقاء

هي دالية لافتة للعين المشتاقة تعانق الطريق .كانت بالأمس غصناً صغيراً ,وأصبحت اليوم شجرة عاشقه تهدي بوحها إلى من يريد, أو ترسل عناقيدها القرمزية إلى سلة يافعة توفدها الحبيبة رسولاً إلى الحبيب .

هناك تحت قدمي السنديان زرع أهلي القرية أغنيات ودبكات ومواويل , وأقاموا شعائر الجود تفضي بها القدور الكريمةإلى الحاضرين طعاماً ساخناً لاأشهى ولا أطيب .

الزمن في تلك القرية يتلاشى والوقت يتلفع بسر الكلام :

"هي الحياة لكم ,بطولها ، بعرضها , بصحن دارتها الفسيح .فقعوا على عتباتها ساجدين .حكمتها من حكمة المحبة وناموسها يترفع عن ناموس البشر . لاتقولوا :ليتنا ماكنا , لأن الوجود أفضل من العدم , والنور أشرف من الظلمة. وأنتم لستم مجرد هباءة في هذا الكون الواسع , لكنه الوجود ينطوي بكم ,وتختزلون خفاياه وحكاياه ."

أبتسمت لحديث الوقت وللعابرين الممتنين .قبلة أديم السماء . مددت يدي إليه كطفلة عابثة تحاول أصتياد النجوم .وبين الحين والحين أشد على الذراع التي أتأبطها ,فتستيقظ مشاعري الغافية في أعماقي لتعلن عن ولادة طقس جديد أباهي بصحبته العالم .

تستطيع الظروف القاسية أن تهز أغصاني ,وأن تعذب عصافيرخميلتي ,وأن تجرح الآلق الذي يملأ ساحتي ...لكنها لاتستطيع منعي من الأصغاء إلى هسيس خطوات كانت ذات يوم , أو الاتكاء على وميض حي تبثه الذاكرة .

أجول بعني. أفتح دفتري القديم , فيلوح لي المكان أمتداداً أخضر , وأناساً طيبين . أسافر , أتغرب وتتغرب معي الأشياء والمطارح والأسماء ... لكنني أشعر دائماً بحنين يأسرني إلى مشوار مسائي جميل في قرية وادعة زرتها ذات يوم.

حنان درويش