إليكم هذه القصة من كتاب مثنوي لمولانا جلال الدين الرومي :
قصة البقال والببغاء
كان هناك أحد البقالين ، وكان لديه ببغاء حسن الصوت أخضر اللون فصيحا .
كان مقيما في الحانوت حارسا له ، وكان يفاكه التجار .
وكان عند مخاطبته البشر ناطقا ، كما كان في تغريد الببغاوات حاذقا .
كان السيد قد ذهب إلى منزله ذات يوم ، فقفز قط فجأة في الحانوت في أثر فأر .
والببغاء خوفا على روحه قفز وهرب من صدر الحانوت يبحث عن ملجأ ما فصب زجاجات ماء الورد .
وأى سيده من الدار إلى الحانوت ، وكعادة التجار جلس مطمئنا أما الحانوت .
فرأى الحانوت مليئا بالزيت والقماش بالبقع ، فظل يضربه على رأسه حتى أصيب بالقراع .
فامتنع عن الكلام عدة أيام ، وتأوه البقال ندما .
وأخذ يقتلع لحيته ويقول : وا أسفاه إن شمس نعمتي قد غطاها السحاب .
ليت يدي قد قطعت حين ضربت حلو اللسان على رأسه .
أخذ يقدم الصدقات لكل الدراويش ، حتى يدعوا لطائره بأن يعود إلى النطق .
وكان يبدي لذلك الطائر كل ما يخفيه من عجيب وغريب عله يبدأ في النطق .
وفجأة مر درويش (( قلندري أو بكتاشي )) عاري الرأس ، برأس حليقة كظهر الإناء أو الطست .
فبدأ الببغاء بالنطق في تلك اللحظة ، وكأحد العقلاء صاح بالدرويش :
لأي سبب سلكت ايها الأقرع بين القرع ؟؟ تراك سكبت الزيت من الزجاجة ؟.
ومن قياسه ضحك الخلق ، لقد ظن الدرويش مثله !!
فلا تقس أمور الأطهار على أمورك ، وإن تشابهتا في الكتابة كلمة (( شير )) بمعنى اسد وبمعنى لبن .
ولهذا السبب ضل كل الخلق ، وقليل من صار واعيا ، وهم أبدال الحق .
فظنوا أنهم يستوون مع الأنبياء ، وظنوا أن الأولياء من أمثالهم .
وقالوا : في النهاية هم بشر ونحن بشر ، ونحن وهم في أسر النوم والطعام .
ولم يعرفوا لما فيهم من عمى أن هناك فرقا بينهم لا حد له .
فهناك نوعان من النحل يمتصان الرحيق من موضع واحد ، لكن أحديهما يعطي الوخز والآخر العسل .
وهناك نوعان من الغزلان يرعيان ويشربان من مكان واحد ، لكن أحديهما يفرز البعر والآخر يفرز المسك .
وهناك نوعان من القصب يسقيان من مكان واحد ، لكن أحديهما خال والاخر مليئ بالسكر .
وانظر إلى مئات الآلاف من الأشباه ، وانظر بينهما بونا شاسعا مسيرته سبعون عام .
فهذا يأكل فيخرج منه الدنس والقذر وذاك يأكل فيصبح كله نورا لله .
هذا يأكل فيتولد عنه البخل والحسد ، وذاك يأكل فيفيض عنه بأجمعه نور الأحد .
هذه الأرض طيبة وتلك بور جرداء ، هذا ملاك طاهر وذاك شيطان ووحش .
ومن الجائز أن تكون صورة هذا وذاك واحدة ، فالماء العذب والماء المالح كلاهما يتميزان بالصفاء .
ولا يميز بينهما إلا صاحب ذوق فأدركه ، إنه هو الذي يميز بين الماء العذب والماء المالح .
أقصد اللهم إلا صاحب ذوق يعرف الطعوم ، فمتى يميز من لم يذق الشهد يبنه وبين الشمع .
ولقد قاس الناس السحر بالمعجزة ، واعتبرا أن كليهما قائم على المكر .
وسحرة فرعون من لجاجتهم وخصومتهم حملوا عصيا كعصا موسى .
وهناك فرق عميق بين هذه العصا وتلك العصي ، وهناك طريق مهول بين هذا العمل وذاك العمل .
فلعنة الله على ذاك العمل بما يترتب عليه ، ورحمة الله على هذا العمل لما فيه من وفاء .
والكفار في مرائهم لديهم طبع القرود ، وثمة آفة حلت في صدورهم هي الطبع .
فكل ما يقوم به الإنسان يقوم به القرد ، إنه يقوم بما يقوم به المرء لحظة بلحظة .
وهويظن قائلا لنفسه : لقد قمت بما يقوم به ، ومتى يعلم الفرق ذلك اللجوج العنيد ؟؟!!.
إن المرء يفعل ما يفعله بالأمر الإلهي ، وهو يقوم به مراء ، ألا فلتحث التراب على وجوه الممارين .
والبحر العذب والبحر المالح كلاهما موجودان في الدنيا ، وبينهما برزخ لا يبغيان .
هذا وإن كان كلاهما ينبعان من أصل واحد ، فدعك من كلاهما معا واتجه إلى الأصل .
والذهب الزائف والذهب الصحيح عند العيار لا تميز بينهما دون محك على سبيل الإعتبار .
وكل من وضع له الله محكا في روحه فإنه يستطيع أن يميز بين كل يقين وشك .
وهذا ما قصده المصطفى من (( استفت قلبك )) ويعلم ذلك الذي يكون شديد الوفاء.
ولو أن قذى قفز في فم حي فإنه لا يستريح حتى يخرج هذا القذى .
وبين مئلت اللقيمات لو ان عودا صغيرا من القذى دخل الفم لتتبعه حس الحي .
وحس الدنيا سلم لهذه الدنيا ، وحس الدين سلم إلى السماء .
فاطلب صحة ذلك الحس من الطبيب ، واطلب صحة هذا الحس من الحبيب .
وصحة ذلك الحس من عمران الجسد ، وصحة هذا الحس من تخريب البدن .
وإن طريق الروح ليخرب الجسد ، ومن بعد ذلك التدمير يقوم بإصلاحه .
فما أسعدها من روح تلك التي من أجل العشق والحال بذلت الدار والأسباب والملك والمال .
لقد هدم الدار من أجل كنز من الذهب ، ومن نفس ذلك الكنز جعلها أكثر عمراننا .
وقطع الماء ثم قام بتطهير الجدول ثم أجرى في الجدول ماء صالحا للشرب .
فبينما ولى أحدهم وجهه صوب الحبيب ، هناك ىخر صار وجهه وجه الحبيب .
فداوم النظر إلى كل وجه وداوم الانتباه إليه ، ربما تصبح من هذا العمل خبيرا بالوجوه .
فكم هناك من إبليس له وجه آدم فلا تمدن يدك إذن إلى كل يد .
والرجل المنحط يسرق ألفاظ الدراويش ةليجعل منها رقية يقرأها على ملدوغ .
وأعمال الرجال ضياء ومواساة ، أما أعمال الأدنياء فاحتيال ووقاحة .
إنهم يرتدون اللباس الصوفي من أجل التسول ، ويلقبون مسيلمة بأحمد .
ويبقى لمسيلمة لقب الكذاب ، ويبقى لأحمد لقب أولي الألباب .
وشرب الحق ختامه المسك الخالص ، أما ختام الخمر فهو النتن والعذاب .
************************************************** **********
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader