اغتراب
إنها الغربة لم تهبك إلا الحنين, ووجيب قلبك يبهر الأسماع ,فيصحو الآخرون على صوتٍ يوقظ الملأ شجوهُ ,في أوج الضحوة وصلت إلى الوطن ,حفنةً من التراب قبلتها أصابعك المشدودة على ذراتٍ تتمرغ فوق وجهك ,تليها حفناتٌ أخرى من ثرى أرض تركتها مرغماً ربما ,وربما خيروك ذات شبابٍ مضى , بينها وبين ألقٍ يشع هناك ,فارتأيت الرحيل تحمل أحلاماً ودهشةً تتشبث بها إلى حين كتشبثٍ بالوهم والخيال ,فارقت الدار والأحباب ,ورحت إلى البعيد ,ولم تترك لعينيك وقتها فرصة التزود بما يتحف الذاكرة ,ويغني أيامك الآتيةْ ,كالطيف المسافر انتقلت إلى مهجر غريب الروح واللسان ,له نافذةٌ تطلّ على الانزواء , وجدرانٌ لا تقي من صرير الريح ,والريح هناك تكنس كلّ شيء حتى الأمان ,بعد زخم من الأعوام رجعتْ ,خلعت الغربةَ من جذورها, وعلقتها على شجرة مزروعة قرب نهر هناكْ,ارتديت خطوات الإياب متدثراً بالحب مع أول قافلة لوحتْ إليكْ ,أمر بهيج أن تعود وقد أشرفت على الخبوّ, وكادت قبرات الرأس تضج من مللٍ في فضاء يستثير ألف سؤال ,شيء يشابه الاندهاش أن تتيقظ الأفياء فيك وترنو إلى ذكرياتٍ أصيلة ,تدعوك إلى زيارة قبرِالشاعر نزار قباني ,تتجه إلى مقبرةِ الدحداح ,تقبل الغبار المعلق على جسد الطفل النائم هناك .
تبكي بحرقةٍ عاتباً على الإهمال الحاصل ,تتمتم :_ لماذا نعامل أجداث عظمائنا بهذا الشكل ؟.
يحتشد المكان بأهاتك الثكلى ,تجول عيناك عبر المدى ,يستيقظ الماضي كأنه لم يزل طازجاً ,تقلب أوراقه وحروفه ,فتراها تشكل اسم المرأةِ التي أحببت , يرتفع ويجيب قلبك ,يحرض جناحيك على التحليق ,,على التصفيق ,تفوز بارتفاع عن الأرض ,تطير بانسياب ,لتصل بيتها الغافي فوق تلة ,تطرق الباب فيجيبك عبق عطر قديم : أهذا أنت؟! في أي القطارات أتيت ؟! أين هدايايَ المشبعات برائحة القرنفل والبهار ؟ لم تجبها ... فتحت حقيبةً كنت قد أوصدتها منذ أيام بعيدة ,غطيت جفنيك بارتعاش الحلم , تلعثمت بين علامات الاستفهام وعلامات التعجب , ثم ركضت إلى بحيرة الصقيع تغيب فيها شهباً لايبين منها سوى ومضة انتظار ,وحدك جئت .. من غياهب الماضي تعانق الهزيع الأخير ,وبعض التردد ,يخرج صوتك من بئر صوتك , لاكما كان صحيحاً معافى قبل الرحيل ,تغادره النجوم نجماً فنجماً , وتسقط منه الحروف حرفاً فحرفاً.
تحاول الكلام عسى تستطيع :
" إنها الغربة أحبطت مبتغاي ,وقصت جناحي ,وسرقت مني صباحات الوطن ,وأوراد الوطن ,لم يبقى في قامتي غير نثار الشوك , وأما الهدايا التي تذكرين ... فهاك ضلوعي خذيها حزينة ومتعبة ,وأوقدي لانطفائها مصابيح الشماتةْ ,هاك يدي حديقة الرياح والشحوب وصمت الفيافي"
في الغربة كنت تتهجى أنفاس الحبيبة ,تخالها تمشي معك من سوق إلى حي ,ومن حي إلى زقاق ,ومن زقاق إلى ساحة ,ومن ساحة إلى مفارق المقاهي والتسكع المتماهي مع روائح الأمكنة ,تهزجان ,تزقزقان ,تطربان حزناً,وتبكيان من فرح ,وتركضان مثل طيفين يحصدان العمر من المنبع إلى المصب ,إلى آخر جدول في حسابات الحياة .
"يا وردة الورد .. يازهرة الجرد .."
تناديها وشريط سهرة حب لايفا رقك .. ينام بين أشيائك وثيابك وضباب غربتك وكلمة لاتسافر,تنام بجوار الشريط .تلفح وجهك ,وتسوطك بعصا غليظة ..وعندما تشكو الوحدة تهفو إلى ظلّ يطوف بك من بيتك في مصياف ,إلى بيتها في دمشق ,تبكي اشتياقاً لبردى وإن جفت مياهه ,تسلم غابة الزيتون في عينيها مفاتيح ضياعك ,علك تعود إلى الوطن ,فتلقاها مسكونة بلهفة وكمْ من الغفران .. لكنك حين رجعت حاورتها قرب انبلاج النهاية , وحاورتكَ ... بل ساءلتكَ : _ أهذا أنت ؟في أي القطارات أتيت ؟ واستفسرتْ عن الهدايا المتبلة بالقرنفل و بالبهار , ووجدتك على غير ما كنت عليه .. تائهاً في الصيف ضيّعت اللبن , وفي الشتاء أضناك السأم .. وأما هداياك إليها فكانت قصيدة محزونة ,وسعف نخلة ,حينها راودتها نفسها بالابتعاد .. فلا أنت أنت , ولا الذي سافر منذ أعوام هو الذي عاد ........
**************
الأديبة حنان طه درويش
إنها الغربة لم تهبك إلا الحنين, ووجيب قلبك يبهر الأسماع ,فيصحو الآخرون على صوتٍ يوقظ الملأ شجوهُ ,في أوج الضحوة وصلت إلى الوطن ,حفنةً من التراب قبلتها أصابعك المشدودة على ذراتٍ تتمرغ فوق وجهك ,تليها حفناتٌ أخرى من ثرى أرض تركتها مرغماً ربما ,وربما خيروك ذات شبابٍ مضى , بينها وبين ألقٍ يشع هناك ,فارتأيت الرحيل تحمل أحلاماً ودهشةً تتشبث بها إلى حين كتشبثٍ بالوهم والخيال ,فارقت الدار والأحباب ,ورحت إلى البعيد ,ولم تترك لعينيك وقتها فرصة التزود بما يتحف الذاكرة ,ويغني أيامك الآتيةْ ,كالطيف المسافر انتقلت إلى مهجر غريب الروح واللسان ,له نافذةٌ تطلّ على الانزواء , وجدرانٌ لا تقي من صرير الريح ,والريح هناك تكنس كلّ شيء حتى الأمان ,بعد زخم من الأعوام رجعتْ ,خلعت الغربةَ من جذورها, وعلقتها على شجرة مزروعة قرب نهر هناكْ,ارتديت خطوات الإياب متدثراً بالحب مع أول قافلة لوحتْ إليكْ ,أمر بهيج أن تعود وقد أشرفت على الخبوّ, وكادت قبرات الرأس تضج من مللٍ في فضاء يستثير ألف سؤال ,شيء يشابه الاندهاش أن تتيقظ الأفياء فيك وترنو إلى ذكرياتٍ أصيلة ,تدعوك إلى زيارة قبرِالشاعر نزار قباني ,تتجه إلى مقبرةِ الدحداح ,تقبل الغبار المعلق على جسد الطفل النائم هناك .
تبكي بحرقةٍ عاتباً على الإهمال الحاصل ,تتمتم :_ لماذا نعامل أجداث عظمائنا بهذا الشكل ؟.
يحتشد المكان بأهاتك الثكلى ,تجول عيناك عبر المدى ,يستيقظ الماضي كأنه لم يزل طازجاً ,تقلب أوراقه وحروفه ,فتراها تشكل اسم المرأةِ التي أحببت , يرتفع ويجيب قلبك ,يحرض جناحيك على التحليق ,,على التصفيق ,تفوز بارتفاع عن الأرض ,تطير بانسياب ,لتصل بيتها الغافي فوق تلة ,تطرق الباب فيجيبك عبق عطر قديم : أهذا أنت؟! في أي القطارات أتيت ؟! أين هدايايَ المشبعات برائحة القرنفل والبهار ؟ لم تجبها ... فتحت حقيبةً كنت قد أوصدتها منذ أيام بعيدة ,غطيت جفنيك بارتعاش الحلم , تلعثمت بين علامات الاستفهام وعلامات التعجب , ثم ركضت إلى بحيرة الصقيع تغيب فيها شهباً لايبين منها سوى ومضة انتظار ,وحدك جئت .. من غياهب الماضي تعانق الهزيع الأخير ,وبعض التردد ,يخرج صوتك من بئر صوتك , لاكما كان صحيحاً معافى قبل الرحيل ,تغادره النجوم نجماً فنجماً , وتسقط منه الحروف حرفاً فحرفاً.
تحاول الكلام عسى تستطيع :
" إنها الغربة أحبطت مبتغاي ,وقصت جناحي ,وسرقت مني صباحات الوطن ,وأوراد الوطن ,لم يبقى في قامتي غير نثار الشوك , وأما الهدايا التي تذكرين ... فهاك ضلوعي خذيها حزينة ومتعبة ,وأوقدي لانطفائها مصابيح الشماتةْ ,هاك يدي حديقة الرياح والشحوب وصمت الفيافي"
في الغربة كنت تتهجى أنفاس الحبيبة ,تخالها تمشي معك من سوق إلى حي ,ومن حي إلى زقاق ,ومن زقاق إلى ساحة ,ومن ساحة إلى مفارق المقاهي والتسكع المتماهي مع روائح الأمكنة ,تهزجان ,تزقزقان ,تطربان حزناً,وتبكيان من فرح ,وتركضان مثل طيفين يحصدان العمر من المنبع إلى المصب ,إلى آخر جدول في حسابات الحياة .
"يا وردة الورد .. يازهرة الجرد .."
تناديها وشريط سهرة حب لايفا رقك .. ينام بين أشيائك وثيابك وضباب غربتك وكلمة لاتسافر,تنام بجوار الشريط .تلفح وجهك ,وتسوطك بعصا غليظة ..وعندما تشكو الوحدة تهفو إلى ظلّ يطوف بك من بيتك في مصياف ,إلى بيتها في دمشق ,تبكي اشتياقاً لبردى وإن جفت مياهه ,تسلم غابة الزيتون في عينيها مفاتيح ضياعك ,علك تعود إلى الوطن ,فتلقاها مسكونة بلهفة وكمْ من الغفران .. لكنك حين رجعت حاورتها قرب انبلاج النهاية , وحاورتكَ ... بل ساءلتكَ : _ أهذا أنت ؟في أي القطارات أتيت ؟ واستفسرتْ عن الهدايا المتبلة بالقرنفل و بالبهار , ووجدتك على غير ما كنت عليه .. تائهاً في الصيف ضيّعت اللبن , وفي الشتاء أضناك السأم .. وأما هداياك إليها فكانت قصيدة محزونة ,وسعف نخلة ,حينها راودتها نفسها بالابتعاد .. فلا أنت أنت , ولا الذي سافر منذ أعوام هو الذي عاد ........
**************
الأديبة حنان طه درويش
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader