لماذا يبكي هذا الطفل ؟
السؤال يستجدي إجابة .. التعليق مكتوب على غلاف إحدى المجلات .. والصورة الموجودة هي لامرأة من عالم منكوب ..تحمل ابنها الصغير فوق ظهرها ..تلفه بقطعة من قماش قديم .. تشده إليها بحميمة وتصميم ,وذلك لسهولة الحركة ضمن الظروف القاسية المؤلمة ,الطفل مؤلف من هيكل آدمي , وعينين دامعتين ,لو مررت على الصورة بشكل عابر ككل الصور التي تمر أمامك عشرات المرات .. ولو لبيت نداء "المعلق " فعلاً ,ونظرت في عيني الطفل ,لشاهدت عالماً مأساوياً واسعاً ,ممتداً من البعيد إلى البعيد كاتساع الجهات الأربع فوق الخارطة ,وتيقنت أن الأرض كروية , يتوزع فوقها البؤس , ولكن ليس بالتساوي ,هو مزروع في البقاع الصفر ,أو في العيون الذبيحة ,أما العيون التي لا تستحي ,ولا يرمش لها جفن من فظاعة ما يجري فتلك لها وضع آخر ,مهمتها أن تلبس الآخرين ثوبها الذي فصلته على مقاسها ,حتى لو كان الثوب ضيقاً إلى درجة التمزق ,أو قصيراً إلى ما فوق الركبتين , أما لو فعلت مثلي ,وحولت نظرتك إلى عيني الأم ,ثم حدقت فيهما جيداً ,فلا بد أنك ستجد كما وجدت .. كانت صرخة تدوي دون ترجيع .. تقول الصرخة :
(نم نومك الهانئ أيها العالم ..أما ولدي ..فلينخر السوس هشاشة عظمه الطري .. ولتأكل الديدان قلبه الصغير ولتتآمر على نهش بقايا اللحم فيه ,كل الجرزان المسّمنة ..ولبق شلواً ليس أكثر ,أحمله فوق ظهري حتى يوم الدين , أو حتى يحفر لأحدنا ,أو كلينا جدثٌ باردٌ كبرودة الضمائر الهاجعة ).
وضعت نفسي مكان الأم التي تنتظر نهاية طفلها بين لحظه وأخرى .. ساءلت أحاسيس الأمومة في :
_ ماذا لو أصاب أحد أولادي مرض ما ؟
_ماذا لو علقت غصة بحلقه من جراء فشل لحق به ؟
_ماذا لو جرح أحدهم شعورهم بكلمة ؟
_ماذا لو ألمت به ضائقة , أو تعرض لأذى ؟
ألا تقيم هذه الحالات الدنيا في داخلي ولا تقعدها ؟.. فكيف هي نفسية الأم المأزومة تجاه ولدها ,وهي ترى عن كثب كفولته المسلوبة ,وضحكته المغتالة ,وأمانه المسبي ..نظرة مستفيضة ترسلها العين الرشيدة إلى صورة الغلاف , يغوص فيها البؤبؤ إلى ما وراء السمات ,ما وراء الدمعتين المترقرقتين , فيرى دنيا كبيرة من قهر وحزن لا ندري سببه لكنه يسكننا ونسكنه إن قراءتنا المتأنية للمشهد تبعث في النفوس تساؤلاً ممضاً :
"ترى" .. لماذا يبكي هذا الطفل ؟ ..ولماذا هذه الحرقة في دمعته الغالية ؟؟
سؤال كبير مرتبط بسؤال أخر أكثر وجعاً :
"تُرى " !!- لماذا يبكي أتراب له في بقاعٍ أخرى من العالم ؟
أتراهم سرقوا رقادهم ,وطعامهم , وأمانهم ؟؟, وقيضوا الحب والحنان من دنياهم , فصاروا نباتات برية مشلوحة , في كومة من الأشواك ؟.. أم تراهم قصفوا أحلامهم بغزوات وغارات وبارود وقنابل وطواغيت ,فنأت عنهم بواكير الفرج ؟؟.
إنهم أطفال الحرمان ,والبؤس ,والوجع ,والاحتلال ,والحروب ,أطفال الحارات المعتمة ,والأزقة الضيقة ,والأقبية التحية ,الذين ترمّدت البراءة في عيونهم , وعلى أكفهم انتحر الضوء..وعبر دمائهم انتشر الفزع والرعب ..ومن ساحاتهم سُلب الدواء والغذاء ..فصار فراشهم وخزاً , وأحلامهم كوابيس تنتظر انحســــــــــاراً....
************** الأديبة حنان درويش
السؤال يستجدي إجابة .. التعليق مكتوب على غلاف إحدى المجلات .. والصورة الموجودة هي لامرأة من عالم منكوب ..تحمل ابنها الصغير فوق ظهرها ..تلفه بقطعة من قماش قديم .. تشده إليها بحميمة وتصميم ,وذلك لسهولة الحركة ضمن الظروف القاسية المؤلمة ,الطفل مؤلف من هيكل آدمي , وعينين دامعتين ,لو مررت على الصورة بشكل عابر ككل الصور التي تمر أمامك عشرات المرات .. ولو لبيت نداء "المعلق " فعلاً ,ونظرت في عيني الطفل ,لشاهدت عالماً مأساوياً واسعاً ,ممتداً من البعيد إلى البعيد كاتساع الجهات الأربع فوق الخارطة ,وتيقنت أن الأرض كروية , يتوزع فوقها البؤس , ولكن ليس بالتساوي ,هو مزروع في البقاع الصفر ,أو في العيون الذبيحة ,أما العيون التي لا تستحي ,ولا يرمش لها جفن من فظاعة ما يجري فتلك لها وضع آخر ,مهمتها أن تلبس الآخرين ثوبها الذي فصلته على مقاسها ,حتى لو كان الثوب ضيقاً إلى درجة التمزق ,أو قصيراً إلى ما فوق الركبتين , أما لو فعلت مثلي ,وحولت نظرتك إلى عيني الأم ,ثم حدقت فيهما جيداً ,فلا بد أنك ستجد كما وجدت .. كانت صرخة تدوي دون ترجيع .. تقول الصرخة :
(نم نومك الهانئ أيها العالم ..أما ولدي ..فلينخر السوس هشاشة عظمه الطري .. ولتأكل الديدان قلبه الصغير ولتتآمر على نهش بقايا اللحم فيه ,كل الجرزان المسّمنة ..ولبق شلواً ليس أكثر ,أحمله فوق ظهري حتى يوم الدين , أو حتى يحفر لأحدنا ,أو كلينا جدثٌ باردٌ كبرودة الضمائر الهاجعة ).
وضعت نفسي مكان الأم التي تنتظر نهاية طفلها بين لحظه وأخرى .. ساءلت أحاسيس الأمومة في :
_ ماذا لو أصاب أحد أولادي مرض ما ؟
_ماذا لو علقت غصة بحلقه من جراء فشل لحق به ؟
_ماذا لو جرح أحدهم شعورهم بكلمة ؟
_ماذا لو ألمت به ضائقة , أو تعرض لأذى ؟
ألا تقيم هذه الحالات الدنيا في داخلي ولا تقعدها ؟.. فكيف هي نفسية الأم المأزومة تجاه ولدها ,وهي ترى عن كثب كفولته المسلوبة ,وضحكته المغتالة ,وأمانه المسبي ..نظرة مستفيضة ترسلها العين الرشيدة إلى صورة الغلاف , يغوص فيها البؤبؤ إلى ما وراء السمات ,ما وراء الدمعتين المترقرقتين , فيرى دنيا كبيرة من قهر وحزن لا ندري سببه لكنه يسكننا ونسكنه إن قراءتنا المتأنية للمشهد تبعث في النفوس تساؤلاً ممضاً :
"ترى" .. لماذا يبكي هذا الطفل ؟ ..ولماذا هذه الحرقة في دمعته الغالية ؟؟
سؤال كبير مرتبط بسؤال أخر أكثر وجعاً :
"تُرى " !!- لماذا يبكي أتراب له في بقاعٍ أخرى من العالم ؟
أتراهم سرقوا رقادهم ,وطعامهم , وأمانهم ؟؟, وقيضوا الحب والحنان من دنياهم , فصاروا نباتات برية مشلوحة , في كومة من الأشواك ؟.. أم تراهم قصفوا أحلامهم بغزوات وغارات وبارود وقنابل وطواغيت ,فنأت عنهم بواكير الفرج ؟؟.
إنهم أطفال الحرمان ,والبؤس ,والوجع ,والاحتلال ,والحروب ,أطفال الحارات المعتمة ,والأزقة الضيقة ,والأقبية التحية ,الذين ترمّدت البراءة في عيونهم , وعلى أكفهم انتحر الضوء..وعبر دمائهم انتشر الفزع والرعب ..ومن ساحاتهم سُلب الدواء والغذاء ..فصار فراشهم وخزاً , وأحلامهم كوابيس تنتظر انحســــــــــاراً....
************** الأديبة حنان درويش
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader