هذا بعض ما ورد في رسالة إثبات النبوات للشيخ الرئيس ابن سينا
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا رحمه الله :
سألت أصلحك الله ، أن أجعل جمل ما خاطبتك به في إزالة الشكوك المتأكدة عندك في تصديق النبوة لاشتمال دعاويهم على ممكن سلك به مسلك الواجب ولم تقم عليه حجة لا برهانية ولا جدلية ، ومنها ممتنعة تجري مجرى الخرافات ، التي للاشتغال في استيضاحها من المدعي ما يستحق أن يهزأ به ، في رسالة . فأجبتك مد الله في عمرك إلى ذلك بأن قلت :
إن كل شيء في شيء بالذات فهو معه بالفعل ما دام هو ، وكل شيء في شيء بالعرض فهو فيه مرة بالقوة ومرة بالفعل .
ومن له ذلك بالذات فهو فيه بالفعل أبداً ، وهو المخرج لما فيه بالقوة إلى الفعل ، إما بواسطة أو بغير واسطة ، مثل ذلك ( الضوء مرئي بالذات وعلة لخروج كل مرئي بالقوة إلى الفعل .. وكالنار وهو حار بالذات وهو المسخن لسائر الأشياء إما بواسطة كتسخينه الماء بواسطة القمقمة ، وإما بلا واسطة كتسخينه القمقمة بذاته ، أعني مماسة بلا متوسط ) ولهذا أمثلة كثيرة .
وكل شيء هو مركب من معنيين ، فإذا وجد أحد المعنيين مفارقا للثاني وجد الثاني مفارقا له ، مثاله ( السكنجبين المركب من الخل والعسل ، إذا وجد الخل بلا عسل ، وجد العسل بلا خل ، وكالصنم المصور المركب من نحاس وصورة إنسان ، إذا وجد النحاس بلا صورة إنسان ، وجد تلك الصورة بلا نحاس ) وكذلك يوجد في الاستقراء ولهذا أمثلة كثيرة .
فأقول : إن في الإنسان قوة تباين به سائر الحيوان وغيره ، وهي المسماة بالنفس الناطقة ، وهي موجودة في جميع الناس على الإطلاق ، وأما في التفصيل فلا ، لإن في قواها تفاوتا في الناس ،
فقوة أولى متهيئة لأن تصير صوراً لكليات منتزعة عن موادها ، ليس لها في ذاتها صورة ، ولهذا سميت بالعقل الهيولاني تشبيها لها بالهيولى ، وهي عقل تام بالقوة ، ( كالنار بالقوة باردة ، لا كالنار بالفعل محرقة ( .
وقوة ثانية لها قدرة وملكة على التصور بالصور الكلية لاحتوائها على الآراء المسلّمة العامية ، وهو عقل تام بالقوة ( كقولنا النار لها على الإحراق قوة) .
وقوة ثالثة متصورة بصور الكليات المعقولة بالفعل تأخذ بها القوتان الماضيتان وخرجتا إلى الفعل ، وهو المسمى بالعقل المستفاد ، وليس وجوده بالعقل الهيولاني بالفعل ، فليس وجوده فيه بالذات ، فإذن وجوده فيه من موجد هو فيه بالذات ، به خرج ما كان بالقوة إلى الفعل ، وهو الموسوم بالعقل الكلي والنفس الكلي ونفس العالم .
وإذا كان القبول ممن لهل القوة المقبولة بالذات على وجهين ، إما بواسطة وإما بغير واسطة ، وكذلك إذا وجد القبول من العقل الفعال الكلي على وجهين ، فإما القبول عنه بلا واسطة ( فكقبول الآراء العامية وبدائه العقول ) .
وأما القبول بتوسط فكقبول المعقولات الثانية بتوسط من الأولى وكالأشياء المعقولة المكتسبة بتوسط الآلات والمواد (كالحس الظاهر والحس المشترك والوهم والفكرة ) .
وإذا كانت النفس الناطقة تقبل كما بينا مرة بتوسط ومرة بغير توسط ، فما ليس له القبول بغير توسط بالذات ، فهو فيه بالعرض وهو في آخر بالذات ، فهوو ممن له بالذات مستفاد ، وهذا هو العقل الملكي الذي يقبل بغير توسط بالذات ، ويصير قبوله علة لقبول غيره من القوى .
وليس اختصاص المعقولات الأول بالقبول بغير توسط إلا من جهتين على الاختصار ، من أجل سهولة قبولها أو من أجل أن القابل ليس يقوى أن يقبل بغير توسط إلا السهل لقبوله .
ثم رأينا في القابل والمقبول تفاوتاً في القوة والضعف والسهولة والعسورة ، وكان محالاً أن لا يتناهى لأن الناهية في طرف الضعف أن لا يقبل ولا معقولاً واحداً بتوسط ولا بغير توسط ، والنهاية في القوة هو أن يقبل بغير توسط ، فيكون يتناهى في الطرفين ولا يتناهى في الطرفين ، وهذا خلف لا يمكن .
وقد بين أن الشيء المركب من معنيين إذا وجد أحد المعنيين مفارقاً للثاني وجد الثاني مفارقاً له ، وقد رأينا أشياء لا تقبل من إفاضات العقل بغير واسطة ، وأشياء تقبل كل الإفاضات العقلية بغير واسطة ، وإذا تناهى في الطرف الضعيف يتناهى ضرورة في الطرف القوي .
وإذا كان التفاضل في الأسباب يجري على ما أقول : إن من الأنيات ما هي قائمة بذاتها ومنها غير قائمة بذاتها والأول أفضل ، والقائم بذاته إما صور وأنيات لا في مواد أو صور ملابسة للمواد والأول أفضل ،
ولنقسم الثاني إذ كان المطلب فيه ، والصور المادية التي هي الأجسام إما نامية أو غير نامية والأول أفضل ،
والنامية إما حيوان أو غير حيوان والأول أفضل ،
والحيوان إما ناطق أو غير ناطق والأول أفضل ،
والناطق إما بملكة أو بغير ملكة والأول أفضل ،
وذو الملكة إما خارج إلى الفعل التام أو غير خارج والأول أفضل ،
والخارج إما بغير واسطة أو بواسطة والأول أفضل وهو المسمى بالنبي وإليه انتهى الفضل في الصور المادية .
وإذا كان كل فاضل يسود المفضول ويرأسه ، فإذن النبي يسود ويرأس جميع الأجناس التي فضلهم ، والوحي هذه الإفاضة ، والملك هو هذه القوة المقبولة المفيضة كأنها عليه إفاضة متصلة بإفاضة العقل الكلي ، مجزأة عنه لا لذاته بل بالعرض ، وهو لتجزئ القابل .
وسميت الملائكة بأسماء مختلفة لأجل معان مختلفة ، والجملة واحدة غير متجزئة بذاتها إلا بالعرض من أجل تجزئ القابل .
والرسالة المسماة وحياً على أي عبارة استصوبت لصلاح عالمي البقاء والفساد علما وسياسة .
والرسول هو المبلغ ما استفاد من الإفاضة المسماة وحياً على أي عبارة استصوبت ، ليحصل بآرائه صلاح العالم الحسي بالسياسة ، والعالم العقلي بالعلم .
فهذا مختصر القول في إثبات النبوة وبيان ماهيتها وذكر الوحي والملك والموحي .
وأما صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتبين صحة دعوته للعاقل إذا قاس بينه وبين غيره من الأنبياء عليهم السلام ونحن معرضون عن التطويل ....
*******
وللشيخ الرئيس ابن سينا هذه الأبيات الرائعة
هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف
وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما ألفت فلما واصلت
ألفت مجاورة التراب البلقع
وأظنها نسيت عهودا بالحمى
ومنازلاً بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها
من ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت
بين المعالم والطلول الخضع
تبكي وقد نسيت عهوداً بالحمى
بمدامع تهمى ولما تقلع
حتى إذا قرب المسير إلى الحمى
ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل من لم يرفع
فهبوطها إن كان ضربة لازم
لتكون سامعة لما لم تسمع
فلأيّ شيء أهبطت من شاهق
سامٍ إلى قعر الحضيض الأوسع
إن كان أهبطها الإله لحكمة
طويت عن الفطن اللبيب الأروع
إذ عاقها الشرك الكثيف فصدها
قنص عن الأوج الفسيح الأربع
فكأنها برق تألق بالحمى
ثم انطوى فكأنه لم يلمع
*******
إن ما قدمه الشيخ الرئيس ابن سينا من خدمات عظيمة للإنسانية والعلم يعد من أروع الصور التي تعبر عن عظمة الدين الإسلامي الحنيف ويؤكد على أنه دين علم وعمل ويرد على كل من يحاول تصوير الإسلام على أنه دين جهل وتخلف ...
وللشيخ الرئيس ابن سينا هذه الأبيات الرائعة
هبطت إليك من المحل الأرفع
ورقاء ذات تعزز وتمنع
محجوبة عن كل مقلة عارف
وهي التي سفرت ولم تتبرقع
وصلت على كره إليك وربما
كرهت فراقك وهي ذات تفجع
أنفت وما ألفت فلما واصلت
ألفت مجاورة التراب البلقع
وأظنها نسيت عهودا بالحمى
ومنازلاً بفراقها لم تقنع
حتى إذا اتصلت بهاء هبوطها
من ميم مركزها بذات الأجرع
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت
بين المعالم والطلول الخضع
تبكي وقد نسيت عهوداً بالحمى
بمدامع تهمى ولما تقلع
حتى إذا قرب المسير إلى الحمى
ودنا الرحيل إلى الفضاء الأوسع
وغدت تغرد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل من لم يرفع
فهبوطها إن كان ضربة لازم
لتكون سامعة لما لم تسمع
فلأيّ شيء أهبطت من شاهق
سامٍ إلى قعر الحضيض الأوسع
إن كان أهبطها الإله لحكمة
طويت عن الفطن اللبيب الأروع
إذ عاقها الشرك الكثيف فصدها
قنص عن الأوج الفسيح الأربع
فكأنها برق تألق بالحمى
ثم انطوى فكأنه لم يلمع
*******
إن ما قدمه الشيخ الرئيس ابن سينا من خدمات عظيمة للإنسانية والعلم يعد من أروع الصور التي تعبر عن عظمة الدين الإسلامي الحنيف ويؤكد على أنه دين علم وعمل ويرد على كل من يحاول تصوير الإسلام على أنه دين جهل وتخلف ...
المصادر :
رسالة إثبات النبوات لابن سينا | تحقيق ميشيل مرمورة | دار النهار
تسع رسائل في الحكمة لابن سينا | دارالعرب للبستاني
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader