خطبة لسيدنا داعي الدعاة الأجل المؤيد في الدين هبة الله الشيرازي أعلى الله قدسه
في يوم النص على مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ذريته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله مخرج الخليقة من العدم إلى الوجود إخراجاً ، ومرشدهم إلى العمل بطاعته سبلاً من المعرفة فجاجاً ، ومبصرهم في الأدلة بأن جعل جميع جميع مصنوعاته أزواجاً ، وألزمهم عجز العبودية افتقاراً إليه إليه واحتياجاً ، وقال تعالى موضحاً لبريته طريقاً من الإبانة ومنهاجاً ،
(( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ))
فهو يستر وجه النهار بسرادق من الليل البهيم ويطرز أودان جداره بضياء القمر المنير ويذهبه وينسخ بمحو آياته بمبصر أية النهار ويعقبه نعمة ألبست البرية بحركتها وسكونها في الليل والنهار أحسن اللباس ، وأنست قلوب الخلقة بإعانتها على ابتغاء رزقها أتم الإيناس ، ووقف الملحدون في أسمائه موقف الحيرة والبلد والإبلاس ،
(( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ))
فسبحان من تفرد بإيجاد الخلق بقدرته وتكوينه وإظهاره من العدم إلى الوجود على اختلاف أجناسه وأنواعه وفنونه ، ورضي من الأشخاص الآدمية برسلٍ أطلعهم على ما يشاء من غوامض الغيب ومصونه ، وأوقفهم على سر لطفه الخفي الساري إلى خلقه ومكنونه ، وأغدق عليهم متدفق ينابيع الحكمة من متفجرات عيونه ، وأوضح على ألسنتهم سبيل الخيرات بأوامره ونهيه لطالب الحق ومستبينه ، وجعل جميع الموجودات مسخرة للخلق الإنساني في حركاته وسكونه ،
(( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ))
احمده حمد من لا تقدر الخليقة له قدراً ، وأشكره على ما من به من عدل بدل عسر أمورنا يسراً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسير الأفلاك جاليةً بأنوار عقود نجومها العلية ، ومرصع فيروزجها بدرر مفصلة بذهبي كواكبها الدرية ، ومقدر حركاتها مدبرة بأمره لكافة البرية ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي ينطق بلسان العز والاقتدار ، وأشرف رسول أبان بمعجزه سبيل الارشاد لأتباعه الأبرار ، المنزل فيه وفي من اتبعه من خلصاء المهاجرين والأنصار
(( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ))
صلى الله عليه وعلى أخيه ووصيه وابن عمه ووارث مناقبه وعلمه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أسد الله الغالب ، المشهورة صولته في المواقف والزاهد في الدنيا الناظر إليها نظر الآنف منها العائف ، والتقي العامل بطاعته الله عمل الوجل الخائف ، سبق السابقين إلى الإسلام فلم يلحق غباره ، وقضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يخش عثاره ، وسلك السبيل الأقوم فلم تندرس آثاره ، ونطق لسانه بالحق والصدق فلم تخف أنواره ، لا جرم أنه قد هدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله أركان الباطل وقوضها ، وحل سرائر الكفر ونقضها ، وأغص أبطال الشرك بريقها وأجهضها ، وغور مياه طوفان افكها وغيضها ، وطلق الدنيا ثلاثاً بعد نبي الله ورفضها ، وأهان بإعراضه عنها جوهرها وعرضها ، وداوى بعلومه قلوب شيعته وأزال مرضها ، وطهرها من دنس الشرك ورمضها ، وأخلص النصيحة للأمة ومحضها ، فاختاره الله بعد رسوله واوجب مودته ومودة نبيه على الأمة وأربى به ، وقال تعالى لنبيه صلوات الله عليه
(( قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))
وعلى الأئمة من ذريته عترة رسول الله المطهرة وتراجمة كتبه المنشرة المختارين بفحوى قوله سبحانه
(( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ))
أيها الناس :
خلصوا يقينكم من شرك الشرك ونزهوه ، واستمطروا سحائب الفتح بالإخلاص لله في دينه وانتظروه ، وانزعوا ثوب الرياء الذي يشق عما تحته وذروه ، واعطفوا أعينكم عن مرتع البغي فهو وخيم فاجتنبوه ، واحمدوا الله على ما منحكم من عدل إمامكم واشكروه ، وعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ، وتيقنوا أن الله تعالى ما ابتلاكم يا أولي النعمة إلا ليختبر صبركم ، ولا ظاهر عليكم المشركون إلا ليبلو شكركم فاحمدوه ، على الضار المرهوب صبراً ، وعلى السارِّ الموهوب شكراً ، واعلموا أن لكل داء دواء ولكل مرض شفاء وأن هذا العارض المؤثر فيكم والداء القادح الملم بقلوبكم لا دواء له ولا وصول إلى دوائه إلا بصدق عزائمكم وتضافرها ، واجتماع نخواتكم وتناصرها وسخاء نفوسكم بذواتها وتقدم أقدامكم وثباتها ، ودخولكم على المدينة من أبوابها وجهاتها ، حيث لا ينفع إلا الأقدام ولا يضر إلا الإحجام ليظهر الله المؤمنين على المشركين وبديل الموحدين على الملحدين ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين ألا وإنه لا خفاء عنكم إن الشك لا يذهب اليقين وإن قلوب العارفين مثقفة لنصرة الإيمان والمؤمنين ، فما لقلوبكم قد وجفت لجولة الباطل وما لنفوسكم قد ذلت لخوف حجزة السائل ، أفأنتم من الله في شك تحسبون أن محمداً جاء بالإفك ، معاذ الله لقد جئتم شيئاً إذاً تكاد السموات يتفطرن منه فما منكم من اتخذ عند الله عهداً ، ألا وإنها شقشقة فتنة تذهب بالغثاء وتبقي النثا ، فالسعيد من انتهز فرصتها واختلس خلاصتها ، أو شمر فيها عن ساق الاجتهاد في الجهاد وارتبط بصدق عزائمه النعم التي مالها من نفاد ، قبل اقتناص عقبان المنية وافتراس فرسان الرزية ، فكان قد دارت دوائر السوء على الناكثين المعتدين وأدال الله عليهم فأصبحوا في الأصفاد مقرنين ،
(( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ )) ،
واعلموا رحمكم الله أن يومكم هذا يوم عيدٍ عظمه الله وفضله وتمّمَ فيه الدين وكمله بإشهار من وسمه رسول الله صلى الله عليه وآله باشرف السمات ، وقال فيه :
من كنت مولاه فعليّ مولاه
إفصاحاً لما استعجم على الخلائق من الشبه المبهمات حتى أنزل الله عز وجل عليه إيضاحاً وتبييناً
(( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))
وذلك لما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع المشهورة المشهرة المذكورة في الأخبار المأثورة ، نزل عليه جبريل عليه السلام محفوفاً بالإعظام ومنادياً من ربه بالسلام مبلغاً ما جعله بلاغاً للعابدين من الناس وأمر بما يكون حجة على من سلك شبه الشك والالتباس بقوله تعالى :
(( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ))
في علي
(( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ))
فنزل في غدير خمٍّ والأرض مستعرةٌ من الرمض واللهب يظهر منها إلى القضاء ، فأمر بحط الرحال والأقتاب ونادى بالصلاة جامعة في جميع الأصحاب ودنا من شجرات متقاربات وأعشاب متناشبات وأمر بهنَّ فكسر الأصحاب شوكتهنَّ وقمّ ما تحتهنّ ، وجاؤوا إليه مجتمعين وأحدقوا به مستمعين ، فنادى سلمان الفارسي وأبا ذرٍّ الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي وأمرهم بجمع ما قدروا عليه من الحجارة ووضعوها كهيئة المنبر والقى عليهم أحدهم إزاره ،
فيروى عن جعفر بن محمد الصادق الناطق في الحكمة بلسان الحقائق أنه
قال :
والله ما نادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفرض صلاةٍ ولا صومٍ ولا حجٍ ولا جهادٍ ، وإنما نادى لفرض ولاية عليّ بن أبي طالب عليكم وإيجابها على الحاضر والبادِ
لأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين صلاة الإستخارة وأم الصعود على تلك الحجارة فحمد الله وأثنى عليه وعدد آلاءه وإحسانه إليه ، وبشر وأنذر وخوف وحذر ونعى نفسه إلى الأمة وأعلمهم بانتقاله لمحل الرحمة
وقال :
معاشر الناس ألست بكتاب الله أنذركم ومن شديد عقابه أحذركم وأنا أولى منكم بأنفسكم .
قالوا بلى يا رسول الله ، قال :
اللهم اشهد عليهم على إقرارهم وأني مبلغ ما أمرتني به إليهم وأنا الآن شهيد فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، أيها الناس من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ، ألا وإني أخبركم بما يزيل الجفاء لأن استمعتموه واتبعتموه ليسلكن بكم المحجة البيضاء وليوضحن لكم طريق الحق السواء فاتقوا الله وأطعيون إن كنتم مؤمنين وقولوا
(( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ))
فأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ولي هذه الأمة بعد رسولها وحافظ فروع الشريعة وأصولها ، أشجع من أسعر في نصرةالله وطيساً واختلس أسنته من أجسام المشركين نفوساً ونظمت سمهريته منهم جسوماً ونثرت مشرفيه منهم رؤوسا العالم المطالع في ظلم الشكوك ببيانه من الحكمة شموساً والزاهد الذي كان لما استخشنته المشركين لبوساً والقائل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في غزة تبوك :
ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
ففضله باهر وثوبه طاهر وطرفه في ذات الله تعالى ساهر ، لقد أفلح من اعتقد ولايته وفاز من تقلد بيعته ، لأن الله عز وجل لم يختره على الأمة إلا لما اطلع عليه من صادق نيته وخالص طويته ، فإن أحببتم أن تسلكوا منهج الحق مسترشدين بدليله فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله ، واحمدوا الله معاشر أهل الولاء على ما خصصتم به من ولايته التي أعمالكم بها منقبلة وشملكم من عدل إمامكم الذي أغصان فضله عليكم منهدلة ، فأصبحتم بظل جناحه عن أعين الأقدار مستترين وبدين الحق دائنين ، واشكروه على إحسان لتمتروا الشكر بالمزيد لقوله تعالى :
(( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ))
جعلنا الله وإياكم ممن جعل إلى التقوى مبادرته وإسراعه وألبسنا وإياكم ملابس الخير معلمة بأعلام الطاعة ، فإنما نحن به وله إن أبلغ القول في الجملة والتفصيل كلام من خص محمداً وآله بالتفضيل ، وهو جل من قائل يقول :
(( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))
بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بالآيات والذكر الحكيم وإستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات برحمته إنه هو الغفور الرحيم .
*******
في يوم النص على مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى الأئمة من ذريته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله مخرج الخليقة من العدم إلى الوجود إخراجاً ، ومرشدهم إلى العمل بطاعته سبلاً من المعرفة فجاجاً ، ومبصرهم في الأدلة بأن جعل جميع جميع مصنوعاته أزواجاً ، وألزمهم عجز العبودية افتقاراً إليه إليه واحتياجاً ، وقال تعالى موضحاً لبريته طريقاً من الإبانة ومنهاجاً ،
(( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ))
فهو يستر وجه النهار بسرادق من الليل البهيم ويطرز أودان جداره بضياء القمر المنير ويذهبه وينسخ بمحو آياته بمبصر أية النهار ويعقبه نعمة ألبست البرية بحركتها وسكونها في الليل والنهار أحسن اللباس ، وأنست قلوب الخلقة بإعانتها على ابتغاء رزقها أتم الإيناس ، ووقف الملحدون في أسمائه موقف الحيرة والبلد والإبلاس ،
(( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ))
فسبحان من تفرد بإيجاد الخلق بقدرته وتكوينه وإظهاره من العدم إلى الوجود على اختلاف أجناسه وأنواعه وفنونه ، ورضي من الأشخاص الآدمية برسلٍ أطلعهم على ما يشاء من غوامض الغيب ومصونه ، وأوقفهم على سر لطفه الخفي الساري إلى خلقه ومكنونه ، وأغدق عليهم متدفق ينابيع الحكمة من متفجرات عيونه ، وأوضح على ألسنتهم سبيل الخيرات بأوامره ونهيه لطالب الحق ومستبينه ، وجعل جميع الموجودات مسخرة للخلق الإنساني في حركاته وسكونه ،
(( هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ))
احمده حمد من لا تقدر الخليقة له قدراً ، وأشكره على ما من به من عدل بدل عسر أمورنا يسراً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسير الأفلاك جاليةً بأنوار عقود نجومها العلية ، ومرصع فيروزجها بدرر مفصلة بذهبي كواكبها الدرية ، ومقدر حركاتها مدبرة بأمره لكافة البرية ،
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير نبي ينطق بلسان العز والاقتدار ، وأشرف رسول أبان بمعجزه سبيل الارشاد لأتباعه الأبرار ، المنزل فيه وفي من اتبعه من خلصاء المهاجرين والأنصار
(( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ))
صلى الله عليه وعلى أخيه ووصيه وابن عمه ووارث مناقبه وعلمه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب أسد الله الغالب ، المشهورة صولته في المواقف والزاهد في الدنيا الناظر إليها نظر الآنف منها العائف ، والتقي العامل بطاعته الله عمل الوجل الخائف ، سبق السابقين إلى الإسلام فلم يلحق غباره ، وقضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يخش عثاره ، وسلك السبيل الأقوم فلم تندرس آثاره ، ونطق لسانه بالحق والصدق فلم تخف أنواره ، لا جرم أنه قد هدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله أركان الباطل وقوضها ، وحل سرائر الكفر ونقضها ، وأغص أبطال الشرك بريقها وأجهضها ، وغور مياه طوفان افكها وغيضها ، وطلق الدنيا ثلاثاً بعد نبي الله ورفضها ، وأهان بإعراضه عنها جوهرها وعرضها ، وداوى بعلومه قلوب شيعته وأزال مرضها ، وطهرها من دنس الشرك ورمضها ، وأخلص النصيحة للأمة ومحضها ، فاختاره الله بعد رسوله واوجب مودته ومودة نبيه على الأمة وأربى به ، وقال تعالى لنبيه صلوات الله عليه
(( قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ))
وعلى الأئمة من ذريته عترة رسول الله المطهرة وتراجمة كتبه المنشرة المختارين بفحوى قوله سبحانه
(( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ))
أيها الناس :
خلصوا يقينكم من شرك الشرك ونزهوه ، واستمطروا سحائب الفتح بالإخلاص لله في دينه وانتظروه ، وانزعوا ثوب الرياء الذي يشق عما تحته وذروه ، واعطفوا أعينكم عن مرتع البغي فهو وخيم فاجتنبوه ، واحمدوا الله على ما منحكم من عدل إمامكم واشكروه ، وعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه ، وتيقنوا أن الله تعالى ما ابتلاكم يا أولي النعمة إلا ليختبر صبركم ، ولا ظاهر عليكم المشركون إلا ليبلو شكركم فاحمدوه ، على الضار المرهوب صبراً ، وعلى السارِّ الموهوب شكراً ، واعلموا أن لكل داء دواء ولكل مرض شفاء وأن هذا العارض المؤثر فيكم والداء القادح الملم بقلوبكم لا دواء له ولا وصول إلى دوائه إلا بصدق عزائمكم وتضافرها ، واجتماع نخواتكم وتناصرها وسخاء نفوسكم بذواتها وتقدم أقدامكم وثباتها ، ودخولكم على المدينة من أبوابها وجهاتها ، حيث لا ينفع إلا الأقدام ولا يضر إلا الإحجام ليظهر الله المؤمنين على المشركين وبديل الموحدين على الملحدين ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وإن الله مع المؤمنين ألا وإنه لا خفاء عنكم إن الشك لا يذهب اليقين وإن قلوب العارفين مثقفة لنصرة الإيمان والمؤمنين ، فما لقلوبكم قد وجفت لجولة الباطل وما لنفوسكم قد ذلت لخوف حجزة السائل ، أفأنتم من الله في شك تحسبون أن محمداً جاء بالإفك ، معاذ الله لقد جئتم شيئاً إذاً تكاد السموات يتفطرن منه فما منكم من اتخذ عند الله عهداً ، ألا وإنها شقشقة فتنة تذهب بالغثاء وتبقي النثا ، فالسعيد من انتهز فرصتها واختلس خلاصتها ، أو شمر فيها عن ساق الاجتهاد في الجهاد وارتبط بصدق عزائمه النعم التي مالها من نفاد ، قبل اقتناص عقبان المنية وافتراس فرسان الرزية ، فكان قد دارت دوائر السوء على الناكثين المعتدين وأدال الله عليهم فأصبحوا في الأصفاد مقرنين ،
(( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ )) ،
واعلموا رحمكم الله أن يومكم هذا يوم عيدٍ عظمه الله وفضله وتمّمَ فيه الدين وكمله بإشهار من وسمه رسول الله صلى الله عليه وآله باشرف السمات ، وقال فيه :
من كنت مولاه فعليّ مولاه
إفصاحاً لما استعجم على الخلائق من الشبه المبهمات حتى أنزل الله عز وجل عليه إيضاحاً وتبييناً
(( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ))
وذلك لما رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع المشهورة المشهرة المذكورة في الأخبار المأثورة ، نزل عليه جبريل عليه السلام محفوفاً بالإعظام ومنادياً من ربه بالسلام مبلغاً ما جعله بلاغاً للعابدين من الناس وأمر بما يكون حجة على من سلك شبه الشك والالتباس بقوله تعالى :
(( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ))
في علي
(( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ))
فنزل في غدير خمٍّ والأرض مستعرةٌ من الرمض واللهب يظهر منها إلى القضاء ، فأمر بحط الرحال والأقتاب ونادى بالصلاة جامعة في جميع الأصحاب ودنا من شجرات متقاربات وأعشاب متناشبات وأمر بهنَّ فكسر الأصحاب شوكتهنَّ وقمّ ما تحتهنّ ، وجاؤوا إليه مجتمعين وأحدقوا به مستمعين ، فنادى سلمان الفارسي وأبا ذرٍّ الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود الكندي وأمرهم بجمع ما قدروا عليه من الحجارة ووضعوها كهيئة المنبر والقى عليهم أحدهم إزاره ،
فيروى عن جعفر بن محمد الصادق الناطق في الحكمة بلسان الحقائق أنه
قال :
والله ما نادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لفرض صلاةٍ ولا صومٍ ولا حجٍ ولا جهادٍ ، وإنما نادى لفرض ولاية عليّ بن أبي طالب عليكم وإيجابها على الحاضر والبادِ
لأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين صلاة الإستخارة وأم الصعود على تلك الحجارة فحمد الله وأثنى عليه وعدد آلاءه وإحسانه إليه ، وبشر وأنذر وخوف وحذر ونعى نفسه إلى الأمة وأعلمهم بانتقاله لمحل الرحمة
وقال :
معاشر الناس ألست بكتاب الله أنذركم ومن شديد عقابه أحذركم وأنا أولى منكم بأنفسكم .
قالوا بلى يا رسول الله ، قال :
اللهم اشهد عليهم على إقرارهم وأني مبلغ ما أمرتني به إليهم وأنا الآن شهيد فيهم فإذا توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، أيها الناس من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار ، ألا وإني أخبركم بما يزيل الجفاء لأن استمعتموه واتبعتموه ليسلكن بكم المحجة البيضاء وليوضحن لكم طريق الحق السواء فاتقوا الله وأطعيون إن كنتم مؤمنين وقولوا
(( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ))
فأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ولي هذه الأمة بعد رسولها وحافظ فروع الشريعة وأصولها ، أشجع من أسعر في نصرةالله وطيساً واختلس أسنته من أجسام المشركين نفوساً ونظمت سمهريته منهم جسوماً ونثرت مشرفيه منهم رؤوسا العالم المطالع في ظلم الشكوك ببيانه من الحكمة شموساً والزاهد الذي كان لما استخشنته المشركين لبوساً والقائل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله في غزة تبوك :
ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
ففضله باهر وثوبه طاهر وطرفه في ذات الله تعالى ساهر ، لقد أفلح من اعتقد ولايته وفاز من تقلد بيعته ، لأن الله عز وجل لم يختره على الأمة إلا لما اطلع عليه من صادق نيته وخالص طويته ، فإن أحببتم أن تسلكوا منهج الحق مسترشدين بدليله فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتتفرق بكم عن سبيله ، واحمدوا الله معاشر أهل الولاء على ما خصصتم به من ولايته التي أعمالكم بها منقبلة وشملكم من عدل إمامكم الذي أغصان فضله عليكم منهدلة ، فأصبحتم بظل جناحه عن أعين الأقدار مستترين وبدين الحق دائنين ، واشكروه على إحسان لتمتروا الشكر بالمزيد لقوله تعالى :
(( لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ))
جعلنا الله وإياكم ممن جعل إلى التقوى مبادرته وإسراعه وألبسنا وإياكم ملابس الخير معلمة بأعلام الطاعة ، فإنما نحن به وله إن أبلغ القول في الجملة والتفصيل كلام من خص محمداً وآله بالتفضيل ، وهو جل من قائل يقول :
(( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ))
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
(( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))
بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بالآيات والذكر الحكيم وإستغفر الله لي ولكم ولجميع المؤمنين والمؤمنات برحمته إنه هو الغفور الرحيم .
*******
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader