* * *
المؤسسة الدّينيّة
إنه طريق الحريّة.
دربٌ لا ثاني له، ما للبشريةِ خلاص إلا بالمضيّ عليه، ليكون هذا الكوكب جنةَ الله، وأرضَ الميعاد كما أراد له، بصحوةِ من ارتضى الخلع أو العري – فوحده الخلع يمنح الأشياء هويّاتها - وتطهيرَ النفس بالنار من جنابة ركام الأفكار. ذلك هو الجهادُ الأكبر، والذي ما فتأت الدياناتُ والأنبياء تدعو إليه، لتحتجبَ الدعوة تحت كمّ هائلٍ من التفسيراتِ والتأويلاتِ قرنًا بعد قرن، وفي دهاليزِ التاريخِ وكتبَتِه، والأحاديثِ المرويّة والمنقولة، والتي تطالب قارئها بالانصياع الأعمى لها ما دامت قد حازتْ على إجماع من أجمع عليها، ليضيعَ المشتركُ الإنسانيّ شيئًا فشيئًا في خلافِ الأفكار.
وما العيبُ بالأفكارِ، فالفكرُ أعظمُ آليّة للعقل، وصيرورةُ الحياة قائمةٌ عليه، وعبر تلاقحِ الأفكار المختلفة تخرجُ الأرضُ خيراتِها وتنزل السماءُ بركاتِها. شريطة أن لا يكون همّ الحوار الوصول إلى أفكار محددة بعينها، بل الوصول إلى فكرة ما تمثل إبداعًا فكريًا حقيقيًا، كما أنه ليست غاية الحوار تقريب وجهات النظر كما يعتقد أغلب الناس، بل الحوار كما أراه لقاح غيوم، وتواصلاً فكريًا وتزاوج وعي، عليه أن يؤدي إلى انبثاق إمكانيات إدراكية أفضل لدى المتحاورين، وهذا لا يكون إلا بالاختلاف!!
وهكذا... يتقاربُ الناسُ المختلفون ويتلاقون ويتعارفون، فما كانوا بدءًا إلا أمّة واحدة، تصبغُها صبغةَ الله. "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة" – البقرة 138.
فبعدًا لعلم - مهما سمت مرتبته - يفرّق بين المرء وأخيه، بدعوى أن كلّ منهما وحده القابض على الحقيقة، ويا حبذا أميّة تجمع الناس بالمحبة. "وما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم" – الشورى 14.
وكيف لتلك الحريّة المسؤولة أن تطال، ما دام هذا الفكر تربّى ولا يزال في ظلّ مؤسساتٍ دينيّة اكتسبتْ قدسيّتها بالتقادم، وما فتئت تحرفه عن غايتِه، وتصبغ الفطرةََ البيضاء التي يخلق الإنسان عليها – خريطة الربّ وسرّ النظام الكوني - بألوانٍ عاتمةٍ، لتكسبَها هويّاتٍ دنيويّة، عبر سياسة النقل والتلقين، وفنّ التجميعِ والتراكمِ، لتخدمَ في النهايةِ أصحابَ العروشِ والكروشِ، وتودي بصاحبها ليكونَ الضحيّة، وكلّ ذلك تحت سطوةِ وهمِ إرضاءِ الله والقرب منه، فيما الخوف يعشّش في النفوس أكثر فأكثر، ويشكل أعتى حجابٍ ظلمانيّ يحول بيننا وبين إدراك الحقيقة. مؤسساتٌ أخضعته لعبوديةِ فكرة التصنيفِ والمراتبِ، تحت اسم الصلاح والإصلاح، بينما همّها السلطة والهيمنة حتى على أنفاس العباد، وأقصته عن تلك الإرادةِ الحرّة التي أعطيت للإنسان تشريفًا له، ليتلمسَ طريقَه نحو إلهِ حقٍّ لا إلهِ وهمٍ، إله حيّ كلّ يوم هو في شان، لا صنم أو وثن. مؤسسات حرّمت عليه التفكير في أن يتطاولَ إلى مقام الأنبياء والأولياء، فوحدهم - كما يرى فكرها العتيد المقدّس المتوارث - المختصون بهبوط الوحي، رغم أنه حتى الطفل - وليتنا نعود أطفالاً - يمكنه أن يقرأ كيف أوحى الله إلى الجبل والنحل وإلى أمّ موسى، وغيرهم، وكيف الشياطين أيضًا توحي لأوليائها كما جاء في النصّ القرآني. لكنهم كالعادة وقفوا عند الكلمة، فحُجبوا بها عنها، لتتولد من جديدٍ فكرة أخرى تمنع قدسيتُها الموهومةُ أن نتأملَ في الخلافة الإنسانية، وفي "وأنت الكتاب المبين الذي بأحرفه يظهر المضمر"، والتي تستبطن قدسيّةَ أي إنسان يفعّل إنسانيته، بتسطيرِ نونِه على أرضِ تكوينه. وتنظر للوحي على أنّه تدفقٌ روحيٌّ منّا وإلينا، يسبك الوجودَ الإنساني بالربوبيّة، ويرفعُ ركامِ التحجّبِ خلفَ ضبابيّةِ العتهِ البشريّ. لا أوامرَ مديرٍ لموظفٍ، أو إملاء قسريًا غير قابل للرفض.
وهكذا يرى كلَّ من ألقى السمعَ وهو شهيد، كيف فتحَ النبيُّ بابَ الولايةِ على مصراعيه ولم يغلقْه حين قال: "إلا أنه لا نبيّ بعدي". فالنبوةُ ختمت حقًا كوظيفةٍ بمحمدٍ (ص)، بعد أن أكمل الدين وأتم النعمة، وأشرع باب الولاية أمام كلّ بشريّ ليحققَ إنسانيتَه ويحملَ تكليفَه، وفقَ النهجِ الإلهيِّ الذي رسمه الدينُ ووضعَ خريطتَه، بدل وهمِ انتظارِ فرجٍ تأتي به السماءُ فجأة، فنصلّي له صلاة العاجزين الذين لا حول لهم ولا قوة، أو ربما نقتله، ولا عجب، فقد اعتاد الإنسانُ أن يحاربَ ويعاديَ ويقتلَ كلَّ ما يخالفُ تصوراتِه وما يحسبُه صوابًا، فكان لزامًا تطهيرَ القلبِ من الكدوراتِ ليستقيمَ الفكرُ، لأن القيامةَ كما يراها أهلُ الحقّ الآن وفي كلّ وقت.يتبع...
*** *** ***
الخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber
» (العالم والمتعلم)
الخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber
» (الستر على المؤمن)
الخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber
» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
الخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber
» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
الخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber
» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
الإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل
» طلب معلومات عن حجج الله
الإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل
» التلاعب بالترددات
الخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق
» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
الإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader