مصياف العمرانية


بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي الزائر : تفضل بتسجيل دخولك إلى المنتدى
وإذا لم تكن عضواً ندعوك للإنضمام إلى أسرة منتديات مصياف العمرانية
I love you فأهلاً بك I love you


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مصياف العمرانية


بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزي الزائر : تفضل بتسجيل دخولك إلى المنتدى
وإذا لم تكن عضواً ندعوك للإنضمام إلى أسرة منتديات مصياف العمرانية
I love you فأهلاً بك I love you

مصياف العمرانية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى للتعريف بأهم معالم مدينة مصياف التاريخية والثقافية والإجتماعية والدينية

المواضيع الأخيرة

» ذوي القربى
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:21 pm من طرف Jaber

» (العالم والمتعلم)
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:17 pm من طرف Jaber

» (الستر على المؤمن)
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:14 pm من طرف Jaber

» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:11 pm من طرف Jaber

» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:09 pm من طرف Jaber

» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:06 pm من طرف Jaber

» أدعية الأيام للامام المعز لدين الله عليه وآله الصلاة والسلام
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 10:04 pm من طرف Jaber

» قبسات من أنوار الإمام المعز لدين الله عليه السلام
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس يونيو 14, 2018 9:33 pm من طرف Jaber

» أفيقوا ياأخوة المعنى ولا تكونوا نظراء في التراكيب
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالإثنين مارس 26, 2018 8:03 pm من طرف أبابيل

» طلب معلومات عن حجج الله
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالإثنين أكتوبر 23, 2017 10:42 pm من طرف أبابيل

» التلاعب بالترددات
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالخميس أبريل 27, 2017 8:22 pm من طرف العتيق

» عرفوني على مذهبكم لعلي أكون منكم ومعكم
أجمل ما قيل عن الحلاج Emptyالإثنين مارس 20, 2017 2:48 pm من طرف zain.abdalkader

يمنع النسخ هنا

مكتبة الصور


أجمل ما قيل عن الحلاج Empty

2 مشترك

    أجمل ما قيل عن الحلاج

    أخوان الصفا
    أخوان الصفا


    رقم العضوية : 30
    الجنس : ذكر
    العمر : 50
    المساهمات : 424
    نقاط : 1053
    تاريخ التسجيل : 26/01/2010
    التقييم : 9
    العمل : تاجر

    أجمل ما قيل عن الحلاج Empty أجمل ما قيل عن الحلاج

    مُساهمة من طرف أخوان الصفا الجمعة ديسمبر 17, 2010 10:30 am

    كل تاريخٍ ــ عامٍ أو خاص ـ لحظاتٌ حاسمة، تحدثُ فيها التحولات الكبرى؛ وقد كانت سنة 309 هجرية من أعظم السنوات حسماً وتحوُّلاً في تاريخ التصوف.. ففي هذه السنة، وبالتحديد : يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر ذي القعدة، أُخرج الحسين بن منصور الحلاَّج من سجنه، فجُلد، وقُطعت يداه ورجلاه ، وشُوِّه، وصُلب، وقُطعت رأسه ، وأُحرقت جثته .
    ولم تكن الأحداثُ التي وقعت في هذا اليوم، مُفاجئة.. بل كانت مأساة الحلاج متوقَّعة منذ بدأتْ محاكمته ببغداد، قبل قتله ببضعة أشهر تنفيذاً للحكم النهائي، الذي أصدرته هذه المحكمة الفقهية .. تلك المحكمة التي انتهت إلى إلصاق تهمة المروق عن الدين، بهذا الصوفي العارم. بيد أنه يمكن القول، أيضاً ، أن نهاية الحلاج المأسوية، كانت متوقَّعة من قبل ذلك بسنوات طويلة ! فقد سمعه أبو القاسم الجنيد يتكلَّم في بعض (الحقائق) الصوفية، فانزعج واحتدَّ على الحلاج، وصرخ فيه: أية خشبة سوف تفسدها ... وهى إشارةٌ مبكرة، أنبأت بالمصير الذي ينتظر الحلاج، وبنهايته مصلوباً على خشبة ! ولابد لنا هنا ، من ملاحظة أن هذه النبوءة، ارتبطت .. بل انطلقت ، من كلام قاله الحلاج.
    إِشْكَالِيةُ الُّلغَةِ
    مع النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، أخذت مشكلة اللغة تطفو على سطح التصوف. فقد تعمَّقت الأحوال الصوفية ودقَّت المعاني وتفرَّدت، فلم يعد بإمكان اللغة العادية أن تصوِّر الدقائق الصوفية التي يودُّ أهل الطريق البوح بها. وتفاقم ذلك الإشكال التعبيري، حتى صار بمثابة أزمة تبدَّت في شطحيات أبى يزيد البسطامى (المتوفى 261 هجرية) التي اشتهر بين الصوفية أنها: عبارات غريبة، ظاهرها نستشفع وباطنها صحيحٌ مستقيم، وهو تعريف أبى نصر السَّرَّاج الطوسي، الذي نقل في كتابه الشهير (اللمع في التصوف) العديد من شطحات البسطامى أو عباراته الغريبة / المستشنعة/ الصحيحة ، مثل قول أبى يزيد :
    أَشْرَفْتُ عَلَى مَيْدَانِ اللَّيْسِيَّةِ، فَمَا زِلْتُ أَطِيرُ فِيهِ عَشْرَ سِنينَ، حَتَّى صِرْتُ مِنْ لَيْسَ في لَيْسَ بِلَيْسَ، ثُمَّ أَشرَفتُ على التضييعِ، حَتَّى ضِعْتُ في الضَّيَاعِ ضَيَاعاً، وضَعْتُ ، فِضِعتُ عَنِ التَّضْييع بليْسَ، في لَيْسَ، في ضَيَاعَةِ التضْييعِ، ثُمَّ أشرَفتُ عَلَى التوحِيدِ، في غَيْبُوبَةِ الخَلقِ عَنِ العَارفِ، وغيْبوبَةِ العارِفِ عن الخلْقِ( ).
    والمتأمل في العبارة، يلمح على الفور ما تشتمل عليه من وُعورةٍ لغوية تشى بتلك الأزمة التعبيرية التي عانى منها الصوفية منذ زمن البسطامى.. بل قبل البسطامى بفترة، وهو الأمر الذي لاحظه د. عبد الرحمن بدوى في بعض الآثار المروية عن رابعة العضوية، من نوع قولها عن الكعبة الشريفة لما حَجَّت إليها: هَذا الصَّنَمُ المَعْبُودُ في الأَرْضِ ، وإِنهُ مَا وَلَجَهُ اللهُ ولاَ خلاَ منْهُ( ) .
    ويمثل الحلاَّج مرحلة متقدمة من مراحل أزمة اللغة عند الصوفية، كما يمثل التضحية الكبرى التي قدَّمها الصوفية، في طريقهم نحو إقرار القاموس الصوفي الخاص.. فقد قدَّم الحلاَّج حياته ثمناً لمحاولته التعبير عن الأحوال التي، يعاينها ويعانيها، مثلما عاينها وعاناها معاصروه من رجال التصوف. فها هو أبو بكر الشبلى (رفيق الحلاج) يشطح بعبارات لاتقل وُعورة وخطورة عما شطح( ) به الحلاج ، لكنه حين واجهوه بها، ادَّعى الجنون ودخل البيمارستان ! فعاش بعد مصرع الحلاج إحدى عشرة سنة (توفى سنة 320) وكان يقول: أنا والحلاج شئ واحد، فأهلكه عقله وخلصني جنوني !
    حَيَاةُ الحلاَّجِ
    وُلد أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج حوالي عام 244هجرية( ) ، بقرية تابعة لبلدة البيضاء الفارسية، فدرس علوم الدين، ثم سلك طريق الصوفية على يد الشيخ سَهْل بن عبد الله التسترى.. ثم طاف وساح في البلدان، وصحب جماعة من كبار مشايخ العصر كالتجنيد والورى وابن عطاء وعمرو بن عثمان المكى.. وجرت بين الحلاج وهؤلاء المشايخ وقائع كثيرة، يضيق المقام هنا عن ذكرها، لكنها في مجملها تشير إلى نأى الحلاج وتفرُّده عن أهل الزمان، وتؤكد شعوره بذاته على أنه : نسيج وحده ..مع أنه يعانى ما يعانيه القوم.
    وقد عاش الحلاَّج التجربة الصوفية بكل ما فيها من صدقٍ و روعة، وغرق في بحر النور الإلهي تمام الغرق. ولسوف نقتصر فيما يلي على ذكر فقرتين شهيرتين من سيرة الحلاج ، تلك السيرة التي أفاض فيها المؤرخون والمترجمون له( ) .. وهاتان الفقرتان تكشفان عن طبيعة الحياة التي عاشها الحلاَّج ، وطبيعة الموقف الذي تمت فيه إدانته :
    الفقرة الأولى قال ابن باكويه : سمعتُ الحسين بن محمد المدارى يقول: سمعتُ أبا يعقوب النهرجورى يقول : دخل الحسين بن منصور الحلاَّج مكة، فجلس في صحن المسجد لايبرح من موضعه إلا للطهارة أو الطواف، ليبالى بالشمس ولا بالمطر، فكان يُحمل إليه كل عشية كوزٌ وقرص (ماء وخبز) فيعضُّ من جوانبه أربع عضات ويشرب( ) .
    الفقرة الثانية قال ابن زنجى: وحُملت دفاتر من دور أصحاب الحلاج، فأمرني حامد ــ الوزير ــ أن أقرأها والقاضي أبو عمر حاضر، فمن ذلك قرأتُ: إن الإنسان إذا أراد الحج، أفرد في داره بيتاً، وطاف به أيام الموسم، ثم جمع ثلاثين يتيماً، وكساهم قميصاً قميصاً، وعمل لهم طعاماً طيباً، فأطعمهم وخدمهم وكساهم، وأعطى لكل واحدٍ سبعة دراهم أو ثلاثة، فإذا فعل ذلك ، قام له ذلك مقام الحج! فلما قرأت ذلك الفصل، التفت القاضي أبو عمر إلى الحلاج وقال له: من أين لك هذا؟ قال : من كتاب الإخلاص للحسن البصري. قال : كذبت ياحلال الدم، قد سمعنا كتاب الإخلاص وما فيه هذا( ). فلما قال أبو عمر: كذبت ياحلال الدم قال له حامد: أكتب بهذا ! فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاَّج، فألحَّ عليه حامد، وقدَّم له الدواة ، فكتب بإحلال دمه، وكتب بعده مَنْ حضر المجلس، فقال الحلاج : ظهري حِمىً، ودمى حرام، وما يحل لكم أن تتأولوا علىَّ، واعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة، فالله الله في دمى ولم يزل يردد هذا القول وهم يكتبون خطوطهم، ثم نهضوا ورُدَّ الحلاج إلى الحبس، وكُتب إلى المقتدر ــ الخليفة ــ بخبر المجلس، فأبطأ الجواب يومين، فغلظ ذلك على حامد، وندم وتخوَّف، فكتب رقعةً إلى المقتدر في ذلك يقول: إن ماجرى في المجلس قد شاع، ومتى لم تُتبعه قتل هذا ــ الحلاَّج ــ افتتن به الناس، ولم يختلف عليه اثنان. فعاد الجواب من الغد :" إذا كان القضاة قد أباحوا دمه، فليحضر صاحب الشرطة، ويتقدم بتسليمه وضربه ألف سوط، فإن هلك وإلا ضُربت عنقه.." فسُرَّ حامد( ) .
    ويوم مقتله، وبينما كان الحلاَّجُ مشدوداً على الصليب الخشبي (الخشبة التي أفسدها) وقبيل حَزَّ رقبته؛ نظر إلى السماء مناجياً ربه :
    نَحَنُ بشَوَاهِدِكَ نلُوذُ
    وبِسَنَا عِزَّتِكَ نَسْتَضِئ
    لِتُبْدِى لَنا مَا شِئْتَ مِنْ شَأْنِكَ
    وأنْتَ الذي في السَّماءِ عَرْشُكَ
    وأَنْتَ الذي في السَّمَاءِ إلَه
    وفِى الأرضِ إِلَه..
    تَجَلَّى كَمَا تَشَاء
    مِثْلَ تَجَلِّيكَ في مَشِيئتِكَ كأَحْسنِ صُورَةٍ
    والصُّورَةُ
    هي الرُّوحُ النَّاطِقَةُ
    الذي أفْرَدْتَهُ بالعلمِ (والبيَانِ) والقُدرَةِ
    وهَؤَلاءَ عِبَادُكَ
    قَدْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِى تَعَصُّباً لدِينكَ
    وتَقَرُّباً إليْكَ
    فاغْفرْ لَهُمْ !
    فإنكَ لَوْ كَشَفْتَ لَهُمْ مَا كَشَفْتَ لي
    لما فَعَلُوا ما فَعلُوا
    ولَوْ سَتَرْتَ عَنِّى مَا سَترْتَ عَنْهُمْ
    لما لَقِيتُ مَا لَقِيتُ
    فَلَكَ التَّقْديرُ فِيما تَفْعَلُ
    ولق التَّقْدِيرُ فيِما تُرِيدُ( ) .
    والآن ، لِننظر فيما ذكره الحلاج من (البيَانِ) وعطفه -بالواو- على العلم والقدرة حين قال: وأفردته بالعلم والبيان والقدرة .. بعبارة أخرى: لننظر فيما إذا كان الحلاجُ قد نجح في (الإبانة) وما هي حدود نجاحه ؟
    لُغَةُ الحلاَّجِ
    حين أراد الحلاَّج أن يترجم بالألفاظ، ما يمرُّ به من أحوال. لم يكن بإمكانه أن يستعير أساليب تعبيرية من الصوفية السابقين عليه، أو المعاصرين له. فالسابقون كانوا يكتفون بالتعريف الموجز لحقائق الطريق، دون محاولة لتأسيس مفردات لغوية خاصة، وكانوا لايجدون حرجاً في التعبيرات الشاطحة ، ربما لثقتهم من أنه سيأتي من يتأوَّلها لصالحهم، تأويلاً محمولاً على حسن الظن بهم. والمعاصرون للحلاج من كبار الصوفية، كانوا يراعون العامة والفقهاء، فيكتفون بالإشارات المقتضبة الموجزة ، كأن يجيب الجنيد عن سؤال حول المعرفة والعارف، بقوله : َلَوْنُ الماءِ لَوْنُ إِنَائهِ .." وهى عبارة خطيرة سوف يسهب الصوفية من بعده في الكلام عليها، لكنها من حيث الصياغة اللغوية ، خالية من أية محاولة لنحت لفظ صوفي متفرِّد .
    هكذا لم يكن أمام الحلاَّج سبيلٌ للاستعانة بما سبقه ، وما يعاصره من الـتراث اللغوي الصوفي. ومن ناحية أخرى، لم يكن بإمكانه أن يسكت أمام طوارق الأحوال.. فصار عليه أن يؤسِّس تراثاً لغوياً صوفياً، وأن يجد مخرجاً يتجاوز به أزمة اللغة التي تحول دون التعبير عن حقيقة الحال الذي يعاينه .. بعبارة أخرى، كان على الحلاج أن يجرِّب! خاصةً أنه القائل :
    للعلم أهلٌ وللإيمان ترتيــبُ وللعلوم وأهليها تجاريبُ
    ولماَّ كان الشعر الموزون هو أحد السبل التعبيرية المتاحة أمام الحلاج، فهو لم ير بأساً في جعله مجالاً للتجريب . وقد تمخَّضت تجاريبه الشعرية عن قدر لابأس به من المتناثرات الشعرية، التي جمعها الدكتور كامل الشيبى في مجلد واحد، ونشره محقَّقاً منذ سنوات ببغداد .. فمن تجارب الحلاَّج الشعرية، قوله مبرراً مايلبسه من ثياب رَثَّة (القشر) تخفى تحتها نفساً كريمة (اللُّبّ) ، ومشيراً إلى الأمر الجسيم الذي يشعر أنه مُساقٌ إليه :
    لَئِنْ أمسيتُ في ثوبي عديمٍ لقد بَليا على حُر كريــمِ
    فلا يحزنك إن أبصرتَ حالاً مغيرةً عن الحالِ القديـــمِ
    فلي نفسٌ ستذهبُ أَوْ سَترقى لِعمْرِكَ بى إلى أمرٍ جَسيمِ( )
    تبدو هذه القطعة الشعرية على المستوى اللغوى، فقيرة بلاغياً، بسيطة التركيب إلى حد السذاجة التي لاتطمح إلا في الإخبار عن حقيقة الحال. وهى على المستوى الصوفي، تكشف عن مضامين متواضعة، حين تؤكد بقاء الذات وتكتفي بالإشارة إلى إمكانية فنائها.. إذ الفناء درجة عالية في سلّم الترقي الصوفي. وليس هذا فحسب، بل تصف الأبيات صاحبها بأنه الحرّ الكريم وهى مسألة تعدُّ من الوجهة الصوفية : نوعاً من المدح المذموم للنفس.. وكان الصوفية آنذاك قد أدركوا ضرورة ما أسموه كسر حدة النفس كإحدى الرياضات الروحية التي يسعى من خلالها الصوفي ــ مهما بلغت مرتبته ــ إلى السيطرة على نفسه والخلاص من رُعوناتها .. إذن ، لم يستطع الحلاَّج ، هنا، أن يصل بالشعر إلى درجة من النضج اللغوى أو الصوفي، بحيث يبعث برسالة صوفية عميقة، وفى الوقت ذاته يتجاوز أزمة اللغة التي أشرنا اليها .
    لكن الحلاَّج لم يقف في تجاريبه الشعرية عند هذا الحد، وإنما انجرف مع الشعر دون حذر، وترك الإيقاع يقوده نحو دليل إدانته .. فقال في أبيات أخرى:
    أنتَ بـين الشِّغَافِ والقلبُ تجرِى مِثْلُ جَرْىِ الدُّمُوعِ مِنْ أجفاني
    وتحلُّ الضَّمــيرُ جـَـوْفَ فؤادي كحُلُــولِ الأرواحِ في الأبدانِ
    ياهِــــلالاً بـــــدا لأربــعِ عَشْــرٍ لِثمَـــــــانٍ وأَربــعٍ واثنـتـَـــانِ( )
    وبقطع النظر عن البيت الأخير الذي لايحمل ــ من حيث ظاهر اللفظ ولاباطن المعنى ــ أية دلالات ، ولايمكن اعتباره إلا كدليل على انجراف الحلاَّج مع البحر الشعري والقافية، من دون هدف محدد.. جاء البيت الأول حانياً، رقيقاً، مشتملاً على صورة فنية جيدة التعبير، فيها سريان المحبوب ( الله) فيما بين القلب وما يغلِّفه (الشغاف) وتشبيه ذلك بانسياب الدمع من الجفن المغلِّف للعين. وهى صورة معبرة ــ صوفياً ــ عن فكرة امتلاء المحبِّ بالمحبوب (الله) الذي هو حقيقة كل شئ... لكن الحلاج يصدمنا في البيت الثاني بكلمة الحلول الخطيرة، تلك الكلمة التي لم يجربها في الشعر الصوفي غيره، ثم يعيد ذكرها مرتين، في كل شطرةٍ مرة، بل هو يؤكد معناها في أبيات تجريبية أخرى ،يقول فيها، غير هَيَّابٍ ولا متحسبٍ لوقعها على أهل الزمان:
    مُـزِجَتْ روحك في روحي كما تُمــزَجُ الخمـرةُ بالمــاءِ الزِّلالِ( )
    وكأن الحلاج لم يكتف فقط بذكر كلمة الحلول التي كان يمكن تأويلها صوفياً على أي وجه من الوجوه، فإذا به يختم عليها بكلمة أشد خطراً: المزج. ثم يشبِّه هذا المزج بين روحه وروح المحبوب (الله) بمزج الخمر الحسية بالماء! وكانت تلك هي المرة الأولى - فيما نعتقد- التي تستخدم فيها كلمة الخمر في الشعر الصوفي، ولسوف يعود شعراء الصوفية لاستخدامها على نطاق واسع، بعد إعطائها دلالة رمزية، بحيث تشير إلى النشوة بتجلي المحبوب (خمر المحبة) أو إلى تذكر عالم الذر الذي كانت فيه الأرواح، قبل خلق الأجساد، تُقِرُّ بالواحدانية لله (خمر التوحيد ، كأس : ألست بربكم) المهم الآن : أن الشعر جرف الحلاَّج، فأتى بكلمتين من قاموس الممنوع العقائدي .. فهل كان الرجل بالفعل يقصد : الحلول والمزج؟
    في شهادة ــ نثرية ــ للحلاَّج، نراه ينفى بشدة ما أثبته في شعره! فيقول عن المزج ما نصُّه : مَنْ ظنَّ أَنَّ الأُلُوهِية تَمْتَزِجُ بالبَشَريَّةِ، فقَدْ كَفَر ( ) . وعن الحلول يقول : إِنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ هي تَوْحِيدُهُ، وتَوْحِيدُهُ تَميُّزُهُ عَنْ خَلْقِهِ، وكُلُّ مَا تَصَوَّرَ في الأَوْهَامِ فَهْوَ ــ تعالى ــ بِخِلاَفِهِ ، كَيْفَ يَحُلُّ بِهَ، مَا مِنْهُ بَدَأ( ) ..
    القضية إذن ، أن الحلاج لم يستطع بالشعر أن يخرج من الأزمة ، مثلما استطاع من بعده شعراء الصوفية الأكثر نضجاً، أمثال ابن الفارض وجلال الدين الرومي. بــل وقع في مأزق جديد عندما استسلم لوقع النظم ، وعندما جلــب كلمات مثل : الحلول ، والمزج ..
    وقد أثارت كلمات الحلاَّج حفيظة المعاصرين له، فأدانوه بكلمتي (الحلول ــ المزج) لما فيها من دعاوى نصرانية بحلول الله بالبشر وامتزاجه بهم .. وقد استثقلوا كلامه حول (اللاهوت والناسوت) لنفس السبب. ولم يقتصر الأمر على الفقهاء فحسب، فقد روى المؤرخون أن مشايخ التصوف أنفسهم : كانوا يستثقلون كلامه( ) .
    ومن الألفاظ التي لجأ إليها الحلاج في محاولاته الأوّليّة هذه ، كلمة شعشعانى التي اعتبرت ــ لغرابتها ــ دليلاً على سوء الأدب .. فقد احتدَّ عليه مرة الوزير علىّ بن عيسى، قائلاً له : كم تكتب ــ ويلك ـ إلى الناس تبارك ذو النور الشعشعانى ما أحوجك إلى أدب !(2)
    .. وعلى هذا النحو، فشل الشعرُ الحلاج في الوصول لصياغة مقبولة يعبر خلالها المشجون المسجون في اللغة، عن مكنون ذاته؛ وفشلت الكلمات التجريبية (حلول ــ مزج ــ لاهوت ــ ناسوت ــ شعشعانى ) في حمل معانيه .. فلم يبق أمامه إلا الصراخ !
    * * *
    حملت كتب التراجم ، العديد من صرخات الحلاج .. مثل زعقته في أسواق بغــداد: أيهــــا الـنـاس ، اعلموا أن الله قد أباح لكم دمى فاقتلوني ، اقتلوني
    تؤجروا وأسترح، اقتلوني تكتبوا عند الله مجاهدين وأكتب أنا شهيد( ) .
    وفى غمرة هذا الانفجار الوجداني ، لاحت للحلاَّج الوسيلةُ المثلى للخروج من المأزق .. وأدرك أن تأسيس اللغة الصوفية، لايكون بالاسترسال مع النظم، ولايكون باستخدام الألفاظ المثقلة بالدلالات القديمة .. وإنما يكون بتفجير اللغة.
    مَوْلِدُ الُّلغَةِ الجدِيدَةِ
    إن المراد بمحاولة الحلاج تفجير اللغة هو سعيه للتخلُّص التام من أسـاليـب الصياغة اللغوية الشائعة في عصره، وطموحه الكبير إلى استبدال اللفظ الذي اهترئ من كثرة التداول، بلفظ يتخلَّق بحرية خلال السياق الجديد.. وقد تجلَّى هذا التفجير للُّغة السائدة، كما تجلَّى اكتشاف الحلاَّج لمعدن اللغة الصوفية الجديدة، في النص الوحيد (الكامل) الذي بقى إلى اليوم من مؤلفاته . وهذا النص ، الذي كتبه الحلاج في سجنه ــ وهرَّبه تلاميذه ــ والذي يعدُّ واحداً من أروع النصوص الصوفية على الإطلاق؛ هو : كتاب الطواسين .
    في كتاب الطواسين( ) ، يفجِّر الحلاَّج كل التراكمات اللغوية والدلالية ، ليعود إلى أصل اللغة: الحرف.. وإلى التجلي الأتم لها : القرآن !
    أراد الحلاج أن يغوص نحو الحروف، التي هي المادة الأولية في اللغة، فجعل فصول كتابه (طواسين) أي أن كل فصل منها (طاسين) .. مستفيداً في ذلك من الدلالة الصوتية العميقة، الناشئة من جمع حرفي الطاء والسين؛ وناسجاً في الوقت ذاته على منوال النص اللغوى الأقدس (القرآن) باعتباره المجلى الأصلي لصياغة الكلام الإلهي صياغةً عربية.. فقد بدأت بعض سور القرآن بذكر الحروف، ومن بينها الطاء والسين، اللذين بدأ بهما الحلاج .
    ثم يأتي الحلاج بما يجلو الحرف، وذلك عن طريق الإضافة ليكشف عن مفهومٍ صوفي، يساوق الجمع اللغوى بين لفظين.. هذا المفهوم الصوفي هو باختصار: إن الحقيقة لاتدرك إلا من حيث النسب والإضافات ، فلا توجد حقيقة إلا من حيث نسبتها وإضافتها. بعبارة أخرى : لن تصير حقائق الوجود قائمة بالفعل، إلا بعد إضافة هذا الوجود لله .
    وإضافات الحلاج للطاء والسين، تكشف عن مستوى آخر من مستويات اللغة الصوفية عنده، وهو مستوى الترميز .. فقد أراد الحلاج أن يبين للصوفية أنه لايمكن التحدث عن حقائق الطريق إلا رمزاً. فأضاف للحروف رموزاً، بحيث صارت فصول كتابه كالآتي: طاسين السراج، طاسين النقطة، النبي الذي اقتبس كل الأنبياء نورهمطاسين الدائرة .. إلخ، والسراج هنا هو محمد من نوره القديم الذي يتلالأ منذ كان آدم بين الطين والماء . أما النقطة والدائرة ، فهما من الاصطلاحات التي سوف تستقر في اللغة الصوفية ، حتى يأتي ابن عربي ــ في الفتوحات المكيــة ــ فيجوس في مفاوزهما ، ويكشف عن دلالاتهما الخاصة بالجدل المعرفي (الابستمولوجى) الكاشف عن العلاقة الوجودية (الانطولوجية) بين الله والإنسان والإنسان الكامل .
    ومن الحروف، تتألف الأسماء التي هي الظهور الخاص لحقائق الأشياء ..كُلٌّ على حدة. ولذلك ، فحين أراد الله تعالى أن يتميَّز آدم ، علَّمه الأسماء كلها، ثم أظهره على الملائكة، إلى آخر ما ورد في الآيات القرآنية .. ولذا، واصل الحلاَّج غوصه، في محاولةٍ لكشف حقيقة الأسماء، بوصفها مركبة من حروف. وضرب لذلك أمثلة في سياق كلامه، منها قوله في (طاسين الأزل والالتباس) ما نصُّه : اشتقَّ اسم إبليس من رسمه ( يقصد : لأنه التبس عليه الأمر في الأزل) فغيِّر عزازيل، العين لعلق همته (يقصد : لأنه تعلَّق بالله على التجريد فلم يسجد لغيره) والزاي لازدياد الزيادة في زيادته (يقصد : لأنه أزاد على كونه طاووس الملائكة، كونه الوحيد الذي لم يسجد لغير الله) والألف إزادة في أُلفته ، والزاي الثانية لزهده في رتبته، والياء حين يهوى إلى سهيقته، واللام لمجادلته في بليَّته، قال له : ألا تسجد يا أيها المهين؟ قال : محب ، والمحب مهين، إنك تقول مهين، وأنا قرأت في كتاب مبين، ما يجر علىَّ ياذا القوة المتين ، كيف أذل له وقد خلقتني من نار وخلقته من طين..
    ثم يقول الحلاَّج : يا أخي ، سُمِىَ عزازيل، لأنه عُزِلَ، وكان معزولاً في ولايته؛ مارجع من بدايته إلى نهايته، لأنه ماخرج عن نهايته.. والمقصود بالنهاية هنا، إدراك ابليس ــ وهو أعرف العارفين بالله ــ أن الأمر الإلهي له كان ابتلاءً، وأن المعصية مقدرةً عليه في الأزل ، وأنه لن يخرج عن دائرة المشيئة الإلهية التي اقتضت كل ما جرى!
    * * *
    وعلى هذا النحو، كان سَعْى الحلاج إلى الرجوع لبكارة اللغة ومادتها الأولى (الحروف) وإلى دلالات المفرد المميز لحقيقة الشئ (الاسم) ليدفع بذلك باباً عظيماً، سوف يُعرف في التراث العربي بعلم الحروف والأسماء .. وهو علم سوف يستهوى الصوفية بعد الحلاج، فيحاولون الغوص وراء : سر الظرف المودع في الحرف (وهو عنوان لأحد كتب عبد الكريم الجيلى، المتوفى 826 هجرية)
    وبعد ... لقد كانت اللحظة الحاسمة التي قُتل فيها الحلاج، كفيلةً بتغليف التصوف من بعده بجدار الصمت . لكن الرجل فتح أمام اللاحقين عليه باب اللغة الجديدة، التي سوف تتجلى عند النفرى وابن عربي والجيلى، وغيرهم من الصوفية.. ويمكن للباحثين في التصوف، تبيان ملامح هذه اللغة الجديدة، من خلال استعراض المزيد من الخصائص اللغوية في كتاب الطاسين ، الذي يُعدُّ علامةً مهمّة على الطريق الطويل الذي قطعته اللغة الصوفية عبر مراحل تطورها.
    المسافر بهلوان
    المسافر بهلوان


    رقم العضوية : 111
    الجنس : ذكر
    العمر : 49
    المساهمات : 104
    نقاط : 190
    تاريخ التسجيل : 28/05/2010
    التقييم : 5
    العمل : مسافر عبر الحدود

    أجمل ما قيل عن الحلاج Empty رد: أجمل ما قيل عن الحلاج

    مُساهمة من طرف المسافر بهلوان الجمعة ديسمبر 17, 2010 6:23 pm

    إنه الحلاج ؟؟؟؟؟!!!! فلا عجب أن يفعلوا به ما فعلوا

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 7:16 am